الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

اخبر الله تعالى عن يوسف انه لما سمع وعيد المرأة له بالحبس والصغار ان لم يجبها الى ما تريده، قال يا { رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه } من ركوب الفاحشة، وانما جاز ان يقول السجن أحب اليَّ من ذلك، وهو لا يحب ما يدعونه اليه، ولا يريده، ولا يريد السجن ايضاً، لأنه ان اريد به المكان فذلك لا يراد، وان اريد به المصدر، فهو معصية منهي عنها، فلا يجوز ان يريده لأمرين:

احدهما - ان ذلك على وجه التقدير، ومعناه اني لو كنت مما اريد لكانت ارادتي لهذا أشد.

الثاني - ان المراد ان توطين نفسي على السجن أحب اليَّ.

وقيل معناه ان السجن أسهل عليَّ مما يدعونني اليه.

وقرأ الحسن { السجن } بفتح السين واراد المصدر، وبه قرأ يعقوب، وتأويله ما قلناه. والدعاء طلب الفعل من المدعو وصيغته صيغة الامر إلا ان الدعاء لمن فوقك والأمر لمن دونك.

وقوله { إلا تصرف عني كيدهنَّ } معناه ضرر كيدهن، لان كيدهن قد وقع، والصرف نفي الشيء عن غيره بضده او بأن لا يفعل، وصورته كصورة النهي إلا ان النهي مع الزجر لمن هو دونك، وليس كذلك الصرف (والصبا) رقة الهوى، يقال صبا يصبو صباً فهو صاب، فكأنه قيل أميل هواي اليهنَّ، قال الشاعر:
الى هند صبا قلبي   وهند مثلها يصبي
وقال ايضاً:
صبا صبوة بل لجَّ وهو لجوج   وزالت له بالانعمين حدوج
وقوله { وأكن من الجاهلين } معناه وأكن ممن يستحق صفة الذم بالجهل، لأنه بمنزلة من قد اعتقد الشيء على خلاف ما هو به، وإلا فهو كان عالماً بأن ذلك معصية، والغرض فيه بيان ان صفة الجهل من أغلظ صفة الذم.

وقال البلخي والجبائي: في الآية دلالة على انه لا ينصرف احد عن معصية إلا بلطف الله عزَّ وجلَّ، لأنه لو لم يعلم ذلك، لما صح خبره به، وليس في الآية ما يدل على ذلك، بل فيها ما يدل على ان يوسف كان له لطف، ولولاه لفعل المعصية، وأما ان يدل على انه لا أحد ينتهي عن معصية إلا بلطف، فلا، بل ذلك مجوّز، وليس فيها ما يمنع منه، ويحتمل قوله { أصب إليهن } على لفظ الجمع اشياء:

احدها - قال ابو علي الجبائي: ان كل واحدة منهن دعته الى مثل ما دعت اليه امرأة العزيز بدلالة هذا الكلام. وقال قوم: انهن قلن لها نحن نسأله ان يفعل ما دعوته اليه، فخلت كل واحدة منهن به. ويحتمل ان يكون المراد أصب الى قولهن في الدعاء الى اجابة امرأة العزيز.