الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

قرأ اهل الكوفة، ونافع { المخلصين } بفتح اللام. الباقون بكسرها. قال أبو علي حجة من كسر اللام قولهأخلصوا دينهم } ومن فتح اللام، فيكون بنى الفعل للمفعول به، ويكون معناه ومعنى من كسر اللام واحد، فاذا أَخلصوا هم دينهم فهم مخلصون، واذا أُخلصوا فهم مخلصون.

ومعنى (الهمّ) في اللغة على وجوه، منها: العزم على الفعل، كقولهإذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم } أي أرادوا ذلك وعزموا عليه. ومثله قول الشاعر:
هممت ولم افعل وكدت وليتني   تركت على عثمان تبكي حلائله
وقال حاتم طي:
ولله صعلوك تساور همه   ويمضي على الأيام والدهر مقدما
ومنها: خطور الشيء بالبال، وان لم يعزم عليه. كقولهاذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما } والمعنى ان الفشل خطر ببالهم، ولو كان الهم ها هنا عزماً لما كان الله وليهما، لأنه قالومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال او متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله } وارادة المعصية والعزم عليها معصية بلا خلاف، وقال قوم: العزم على الكبير كبير، وعلى الكفر كفر، ولا يجوز أن يكون الله وليّ من عزم على الفرار عن نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم ويقوى ذلك ما قال كعب ابن زهير:
فكم فيهم من سيد متوسع   ومن فاعل للخير إن هم أو عزم
ففرق بين الهم والعزم وظاهر التفرقة يقتضي اختلاف المعنى، ومنها المقاربة يقولون: هم بكذا، وكذا أي كاد يفعله قال ذو الرّمة:
أقول لمسعود بجرعاء مالك   وقد هم دمعي ان تسيح اوائله
والدمع لا يجوز عليه العزم، وانما أراد كاد، وقارب، وقال ابو الاسود الدؤلي:
وكنت متى تهمم يمينك مرة   لتفعل خيراً يعتقبها شمالكا
وعلى هذا قوله تعالىجداراً يريد ان ينقض } أي يكاد وقال الحارثي:
يريد الرمح صدر ابي براءٍ   ويرغب عن دماء بني عقيل
ومنها الشهوة وميل الطباع، يقول القاتل فيما يشتهيه ويميل طبعه ونفسه اليه هذا من همي، وهذا أهم الاشياء الي. وروي هذا التأويل في الآية عن الحسن. وقال: اما همها وكان اخبث الهم، واما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء، واذا احتمل الهم هذه الوجوه نفينا عنه (ع) العزم على القبيح واجزنا باقي الوجوه، لان كل واحد منها يليق بحال، ويمكن ان يحمل الهم في الآية على العزم، ويكون المعنى، وهم بضربها ودفعها عن نفسه، كما يقول القائل كنت هممت بفلان اي بأن اوقع به ضرباً او مكروهاً, وتكون الفائدة على هذا الوجه في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } مع ان الدفع عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها، إنه لما هم بدفعها اراه الله برهاناً على انه ان اقدم على ما يهم به، اهلكه اهلها وقتلوه، وانها تدّعي عليه المراودة لها على القبيح وتقذفه بأنه دعاها اليه وضربها لامتناعها منه، فأخبر تعالى انه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشا اللذين هما القتل والمكروه او ظن القبيح واعتقاده فيه.

السابقالتالي
2 3