الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

حكى الله تعالى عن أخوة يوسف انهم جاؤا أباهم، ومعهم قميص يوسف ملطخ بدم. وقالوا له هذا دم يوسف حين أكله الذئب. وقال ابن عباس ومجاهد كان دم سخلة، قال الحسن: لما رأى يعقوب القميص صحيحاً، قال: يا بني والله ما عهدت الذئب عليماً.

قال عامر الشعبي: كان في قميص يوسف ثلاث آيات:

احدها - حين ألقي على وجه أبيه، فارتد بصيراً، وحين قدّ من دبر، وحين جاؤا على قميصه بدم كذب. ومعنى { كذب } مكذوب فيه، كما قيل الليلة الهلال فيرفع، وكما قالفما ربحت تجارتهم } أي ما ربحوا في تجارتهم إلا انه وصف في المصدر، وتقديره بدم ذي كذب، لكن إذا بولغ في الصفة اجري على هذه الصفة، وقال الفراء يجوز ان يكون المصدر وقع موقع مفعول، كما يقع مفعول موقع المصدر في مثل قول الراعي القطامي:
حتى اذا لم يتركوا لعظامه   لحماً ولا لفؤاده معقولا
ولا يجيزه سيبويه، ويقول مفعول لا يكون مصدرا، ويتأول قولهم: خذ ميسوره، ودع معسوره أي خذ ما يسر ودع ما عسر عليه، وكذلك: ليس لفؤاده معقولاً أي ما يعقل به.

وقوله { قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً } حكاية ما قال يعقوب لهم. والتسويل تزيين النفس ما ليس بحسن - في قول قتادة - وقيل معناه تقرير معنى في النفس على الطبع في تمامه، وهو تقدير معنى في النفس على توهم تمامه.

وقوله { فصبر جميل } فالصبر الجميل هو الصبر الذي لا شكوى فيه على ما يدعو إليه العقل، ويحتمل رفع الصبر أمرين: احدهما - ان يكون خبر ابتداء وتقديره فأمري صبر جميل. الثاني - ان يكون مبتدأ، وخبره محذوف، وتقديره فصبر جميل أولى من الجزع الذي لا ينبغي لي، قال الشاعر:
يشكوا الي جملي طول السرى   صبر جميل فكلانا مبتلى
ولو نصب لجاز، ولكن الأحسن الرفع، لأنه موصوف. وقوله { والله المستعان على ما تصفون } حكاية ما قال يعقوب عند ذلك، بأن الله تعالى هو الذي يطلب منه المعونة على ما ذكروه؛ وتقديره استعين بالله على احتمال ما تصفونه، وعلى الصبر كله.