الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

كان الكسائي فى رواية أبي عمير يميل { الناس } لكسرة السين، وهو حسن الباقون يتركون الامالة، وهو الأصل.

هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ويدخل فيه المكلفون، يأمرهم أن يستعيذوا { برب الناس } وخالقهم الذي هو { ملك الناس } ومدبرهم وإلههم { من شر الوسواس } وأن يقولوا هذا القول الذي هو { أعوذ برب الناس... } إلى آخرها و { رب الناس } هو الذي خلقهم ودبرهم على حسب ما اقتضته الحكمة وقوله { ملك الناس } إنما خص بأنه ملك الناس مع أنه ملك الخلق أجمعين لبيان أن مدبر جميع الناس قادر أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتعظيم من ملوك الناس.

والفرق بين { ملك } و { مالك } حتى جازا جميعا فى فاتحة الكتاب ولم يجز - ها هنا - إلا ملك، لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير، وليس كذلك مالك، لأنه يجوز أن يقال: مالك الثوب، ولا يجوز ملك الثوب، ويجوز أن يقال: ملك الروم، ولا يجوز مالك الروم، فجرت - في فاتحة الكتاب - على معنى الملك فى يوم الجزاء، ومالك الجزاء، وجرت فى سورة الناس على { ملك } تدبير من يعقل التدبير، فكأن هذا أحسن وأولى.

وقوله { إله الناس } معناه أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه، لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره { من شر الوسواس } حديث النفس بما هو كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الاعشى:
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت   كما استعان بريح عشرق زجل
وقال روبة:
وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق   سراً وقد أوّن تأوين العقق
والوسوسة كالهمهمة ومنه قولهم: فلان موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة لما يعتريه من المرة. وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة وتوسوس توسوساً. وفى معنى قوله { من شر الوسواس } ثلاثة أقوال:

احدها - من شر الوسوسة التي تكون من الجنة والناس، فأمر بالتعوذ من شر الجن والانس.

الثاني - من شر ذي الوسواس وهو الشيطان، كما قال في الاثر: انه يوسوس فاذا ذكر العبد ربه خنس، فيكون قوله { من الجنة والناس } بيان انه منهم، كما قالإلا ابليس كان من الجن } فأما { والناس } فعطف عليه كأنه قيل من الشيطان الذي هذه صفته والناس الذين هذه صفتهم. الثالث - من شر ذي الوسواس الخناس على العموم، ثم يفسر بقوله - عز وجل - من { الجنة والناس } كما يقال: نعوذ بالله من كل مارد: من الجن والانس وقوله { الخناس } معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور، خنس يخنس خنوساً، ومنه قولهفلا أقسم بالخنس } أي بالنجوم التي تخفى بعدما تظهر بتصريف الحكيم الذي أجراها على حق حسن التدبير، ومنه الخنس في الانف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتوئه.

السابقالتالي
2