الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }

جواب (أن) في الآية محذوف، والتقدير يا قوم إن كنت على حجة ودلالة من ربي، ومع ذلك رزقنى منه رزقاً حسناً، وانما وصفه بأنه حسن مع ان جميع رزق الله حسن لامرين:

احدهما - انه اراد بـ { حسناً } حسن موقعه لجلالته وعظمته.

والثاني - انه اراد ما هو عليه على وجه التأكيد. وقيل إن الرزق الحسن ها هنا النبوة. وقال البلخي معناه الهدى والايمان، لانهما لا يوصل اليهما إلا بدعائه وبيانه ومعونته ولطفه، وتريدون أن أعدل عما انا عليه من عبادته مع هذه الحال الداعية اليها؟، وانما حذف لدلالة الكلام عليه، والرزق عطاء الخير الجاري في حكم المعطي، والعطية الواصلة من الانسان رزق من الله. وصلة من الانسان، لإدرار الخير على العبد في حكمه.

وقوله { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه }. قيل في معناه قولان:

احدهما - ليس نهيي لكم لمنفعة اجرّها الى نفسي بما تتركون من منع الحقوق.

والثاني - أنا لا انهى عن القبيح وافعله مثل من ليس بمستبصر في امره، كما قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتاتي مثله   عار عليك اذا فعلت عظيم
وقوله { إن أريد إلا الإصلاح } معناه لست أريد بما آمركم به وانهاكم عنه الا اصلاح حالكم ما قدرت عليه.

وقوله { وما توفيقي إلا بالله } والتوفيق عبارة عن اللطف الذي تقع عنده الطاعة وذلك بحسب ما يعلم الله تعالى. وانما لم يكن الموفق للطاعة الا الله، لان احداً لا يعلم ما يتفق عنده الطاعة - من غير تعليم - سواه تعالى.

وقوله { عليه توكلت } معناه على الله توكلت وفوضت أمري اليه على وجه الرضا بتدبيره مع التمسك بطاعته { وإليه أنيب } قيل في معناه قولان: احدهما - قال مجاهد: اليه ارجع. والثاني - قال الحسن: اليه ارجع بعملي وبنيتي اي اعمل اعمالي لوجه الله.