الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

روي عن ابن عباس انه قرأ { إلا إنهم يثنون صدورهم } على وزن (يحلون) وأراد المبالغة ومعنى { ألا } التنبيه، وما بعده مبتدأ.

أخبر الله تعالى ان الكفار يثنون صدورهم. وقيل في معناه ثلاثة اقوال: احدها - قال الفراء والزجاج: يثنونها على عداوة النبي صلى الله عليه وآله. وقال الحسن: يثنونها على ما هم عليه من الكفر. وقال ابو علي الجبائي، يثني الكافر صدره على سبيل الانحناء، في خطابه لكافر مثله ممن يختصه لئلا يعرف الله ما أضمره. وقال ابو عبد الله بن شداد: ولى ظهره إذا رأى النبي صلى الله عليه وآله وغطى وجهه بالثوب واصل الثني العطف تقول: ثنيته عن كذا اي غطيته ومنه الاثنان لعطف احدهما على الاخر في المعنى، ومنه الثناء لعطف المناقب في المدح، ومنه الاستثناء لانه عطف عليه بالاخراج منه.

وقوله { ليستخفوا منه } فالاستخفاء طلب خفاء النفس تقول: استخفى استخفاء وتخفى تخفياً، ونظيره استغشى وتغشى قالت الخنساء:
أرعى النجوم وما كلفت رعيتها   وتارة اتغشى فضل اطماري
والهاء في منه يحتمل أن تكون عائدة إلى اسم الله - في قول الحسن ومجاهد والجبائي - جهلا منهم بأن الله لا يخفى عليه خافية. وقال ابو عبد الله بن شداد: هي عائدة على النبي صلى الله عليه وآله.

وقوله { ألا حين يستغشون ثيابهم } معناه انهم كانوا يتغطون بثيابهم ثم يتفاوضون ما كانوا يدبرونه على النبي وعلى المؤمنين ويكتمونه عن الناس، فبين الله تعالى انهم وقت ما يتغطون بثيابهم ويجعلونها غشاء فوقهم عالم بما يسرون وما يعلنون، لا انه يتجدد له العلم في حال استغشائهم بالثوب بل هو عالم بذلك في الأزل. ومعنى { ما يسرون وما يعلنون } اي ما يخفونه في أنفسهم وما يعلنونه أي يظهرونه { إنه عليم بذات الصدور } ومعناه عالم بأسرار ذات الصدور.