الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }

في هذه الآية حكاية ما أمر الله تعالى به نوحاً حين استوت السفينة على الجبل، وأنه قال له { اهبط } أي انزل من الجبل، فالهبوط نزول من أعلى مكان في الارض إلى ما دونه ومن السماء. وقوله { بسلام منا } قيل في معناه وجهان:

احدهما - بسلامة منا وتحية منا، قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما   ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
قيل: انه بمعنى السلام عليكما. وقيل: معناه بتسليم منا عليك وقوله { وبركات عليك } معناه ونعم دائمة وخير ثابت حالا بعد حال، وأصله الثبوت، فمنه البروك، والبركة لثبوت النماء فيها قال الشاعر:
ولا ينجـي مـن الغـمـرات إلا   بـراكـاء القتـال أو الفـرار
أي الثبوت للقتال. ومعنى تبارك الله ثبت تعظيم ما لم يزل ولا يزال. وقوله { وعلى أمم ممن معك } فالأمة الجماعة الكثيرة على ملة واحدة متفقة، لأنه من (أمه يؤمه أماً) إذا قصده، أو الاتفاق في المنطق على نحو منطق الطير والمأكل والمشرب والمنكح، حتى قيل: إن الكلاب أمة. وقيل في معناه - هنا - قولان: أحدهما - أنه أراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة، فأخرج الله أمماً من نسلهم وجعل فيهم البركة. وقال قوم: يعني بذلك الأمم من سائر الحيوان الذين كانوا معه، لان الله تعالى جعل فيها البركة، وتفضل عليها بالسلامة حتى كان منها نسل العالم. وقوله { وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم } معناه إنه يكون من نسلهم أمم سيمتعهم الله في الدنيا بضروب من النعم، فيكفرون نعمه ويجحدون ربوبيته، فيهلكهم الله. ثم يمسهم بعد ذلك عذاب مؤلم موجع. وانما رفع { أمم } لأنه استأنف الاخبار عنهم.