الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

الالف في قوله { أفمن كان } ألف استفهام، والمراد بها التقرير، والتقدير هل الذي كان على بينة - يعني برهان وحجة من الله - والمراد بالبينة ها هنا القرآن والمعني بقوله { أفمن كان على بينة } النبي صلى الله عليه وآله وكل من اهتدى به واتبعه. وقوله { ويتلوه شاهد منه } قيل في معناه أقوال: أحدها - شاهد من الله هو محمّد صلى الله عليه وآله. وروي ذلك عن الحسين بن علي عليهما السلام وذهب اليه ابن زيد واختاره الجبائي. والثاني - قال ابن عباس ومجاهد وابراهيم والفراء والزجاج: جبرائيل يتلو القرآن على النبي صلى الله عليه وآله. والثالث - شاهد منه لسانه، روي ذلك عن محمّد بن علي أعني ابن الحنفية، وهو قول الحسن وقتادة والرابع - روي عن أبي جعفر محمّد ابن علي بن الحسين عليهم السلام أنه علي بن ابي طالب عليه السلام ورواه الرماني، وذكره الطبري باسناده عن جابر بن عبد الله عن علي عليه السلام. وذكر الفراء وجهاً خامساً - قال: ويتلوه يعني القرآن يتلوه شاهد هو الانجيل، ومن قبله كتاب موسى يعني التوراة. والمعنى ويتلوه في الحجة والبينة. وقوله { ومن قبله كتاب موسى } الهاء في { قبله } عائدة على القرآن المدلول عليه فيما تقدم من الكلام، والمعنى أنه يشهد به بالبشارة التي فيه. وقوله { إماماً ورحمة } العامل فيه أحد امرين: احدهما - الظرف في قوله ومن قبله. والثاني - وشاهد من قبله كتاب موسى إماماً ورحمة، وخبر { من } في قوله { أفمن كان على بينة من ربه } محذوف والتقدير أفمن كان على بينة من ربه وعلى الأوصاف التي ذكرت كمن لا بينة معه، قال الشاعر:
وأقسم ولو شيء أتانا رسوله سواك   ولكـن لـم نجـد عنـك مدفعـا
وأنشد الفراء:
فما أدري إذا يممت وجهـاً   أريـد الخيـر أيهمـا يلينـي
آلخير الذي أنـا أبتغيـه   أم الشـر الـذي لا يأتلينـي
قال: أيهما، وإنما ذكر الخير وحده، لأن المعنى مفهوم، لأن المبتغي للخير متق للشر. وقال قوم خبره قوله { من كان يريد الحياة الدنيا } وقد تقدمه، واستغني به. وقوله { أولئك يؤمنون به } كناية عمن كان على بينة من ربه أنهم يصدقون بالقرآن ويعترفون بأنه حق. وقوله { ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده } معناه إن كل من يجحده ولا يعترف به من الاحزاب الذين اجتمعوا على عداوته. وقال الفراء: يقال كل كافر حزب النار { والنار موعده } يعني مستقره وموعده { فلا تك } يا محمد صلى الله عليه وآله في شك من ذلك، فالخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين. وقوله { إنه الحق من ربك } اخبار منه تعالى بأن هذا الخبر الذي ذكره حق من عند الله. ولكن اكثر الناس لا يعلمون صحته وصدقه لجهلهم بالله وجحدهم نبوة نبيه صلى الله عليه وآله. وروي أن الحسن قرأ { في مرية } بضم الميم، وهي لغة أسد وتميم، وأهل الحجاز يكسرون الميم وعليه القراء.