الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

القراءة:

اختلف القرّاء في قوله { وإن كلاً لما } على اربعة اوجه:

قرأ ابن كثير ونافع بتخفيف (إن) وتخفيف (لما) وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم بتشديدهما معاً. وقرأ أبو عمرو والكسائي بتشديد الأولى وتخفيف الثانية.

وقرأ أبو بكر عن عاصم بتخفيف الاولى وتشديد الثانية.

اللغة والاعراب والمعنى:

وقيل في معنى (لمَّا) بالتشديد خمسة أوجه:

أوّلها - قول الفراء إنها بمعنى (لمن ما) فاجتمعت ثلاث ميمات، فحذفت واحدة ثم ادغمت الاولى في الثانية، كما قال الشاعر:
وانّي لمّا أصدر الامر وجهه   اذا هو أعيا بالسبيل مصادره
ثم تخفف، كما قرأ بعض القراء:والبغي يعظكم } فحذف احدى اليائين ذكره الفراء.

والثاني - ما اختاره الزجاج: أن (لمّا) بمعنى (إلا) كقولهم سألتك لما فعلت، ومثلهإن كل نفس لما عليها حافظ } لأنه دخله معنى ما كلهم إلا لنوفينّهم. وقال الفراء هذا لا يجوز إلا في التمييز، لأنه لو جاز ذلك لجاز ان تقول جاءني القوم لمّا زيداً بمعنى الاّ زيداً، هذا لا يحوز بلا خلاف.

الثالث - اختاره المازني: أنَّها هي المخففة شددت للتأكيد. قال الزجاج: هذا لا يجوز، لانه انما يجوز تخفيف المشددة عند الضرورة، فأما تشديد المخففة، فلا يجوز بحال.

الرابع - حكاه الزجاج: إنها من لممت الشيء ألمه لمّاً إذا جمعته إلا أنها بنيت على (فعلى) فلم تصرف نحو (تترى) كأنه قال وإن كلا جميعاً ليوفينهم.

الخامس - قراءة الزهري (لما) بالتنوين بمعنى شديداً، كقولهوتأكلون التراث أكلاً لما } واللام في قوله (لما) يحتمل أن تكون لام القسم دخلت على (ما) التي للتوكيد، ويحتمل أن تكون لام الابتداء دخلت على (ما) بمعنى الذي، كقولهفانكحوا ما طاب لكم من النساء } ومثلهوإن منكم لمن ليبطئن } قال الشاعر:
فلو ان قومي لم يكونوا أعزة   لبعد لقد لاقيت لا بد مصرعا
وحكي عن العرب اني لبحمد الله لصالح قال أبو علي من قرأ بتشديد (إن) وتخفيف (لما) فوجهه بين، وهو انه نصب (كلا) بـ (إن) و (إن) تقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام، فدخلت هذه اللام وهي لام الابتداء على الخبر في قوله { وإن كلاً لما } وقد دخلت الخبر لام اخرى وهي التي يتلقى بها القسم، وتختص بالدخول على الفعل ويلزمها في اكثر الامر النونين، فلما اجتمعت اللامان واتفقا في تلقى القسم، واتفقا في اللفظ فصل بينهما، كما فصل بين (إن) واللام، فدخلت (ما) لهذا المعنى، وان كانت زائدة للفصل، كما جاءت النون - وإن كانت زائدة - في قولهفإما ترين من البشر } وكما صارت عوضاً من الفعل في قولهم: أما لي، فهذا بين، ويلي هذا الوجه في البيان قول من خفف (ان) ونصب (كلا) وخففت (لما)، كما قال الشاعر:

السابقالتالي
2