الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }

أخبر الله تعالى في هذه الآية ان الذين شقوا باستحقاقهم عذاب النار جزاء بسوء اعمالهم داخلون في النار، وانما سمي الشقي شقياً قبل دخوله في النار، لانه على حال تؤديه الى دخولها، من قبائح اعماله. فاما ما روي من قوله (ع) (إن الشقي شقيّ في بطن امه)، فجاز، لان المعنى ان المعلوم من حاله انه سيشقى بارتكاب المعاصي التي تؤديه الى عذاب النار، كما يقال لولد شيخ هرم هذا يتيم ومعناه انه سيتيتم.

وقوله { لهم فيها زفير وشهيق } قال أهل اللغة: الزفير أول نهاق الحمير، والشهيق آخر نهاقها، قال رؤبة:
حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق   حتى يقال ناهق وما نهق
والزفير ترديد النفس مع الصوت من الحزن حتى تنتفخ الضلوع قال الجعدي:
خيط على زفيرة فتم ولم   يرجع الى دقة ولا هضم
وأصل الزفير الشدة من قولهم للشديد الخلق المزفور، والزفر الحمل على الظهر خاصة لشدته، قال الشاعر:
طوال انضية الاعناق لم يجدوا   ريح الاماء إذا راحت بأزفار
والزفر السيد، لانه يطيق عمل الشدائد، وزفرت النار اذا سمع لها صوت في شدة توقدها، والشهيق صوت فظيع يخرج من الجوف عند النفس. واصله الطول المفرط من قولهم: جبل شاهق أي ممتنع طولا.

وقوله { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } فالخلود الكون في الامر أبداً، والدوام البقاء أبداً، ولهذا يوصف الله تعالى بأنه دائم، ولا يوصف بأنه خالد.

وقوله { إلا ما شاء ربك } اختلفوا في هذا الاستثناء على عدة أقوال:

فالذي نختاره - ويليق بمذهبنا في الارجاء - ان الله تعالى أخبر ان الاشقياء المستحقين للعقاب يحصلون في النار ثم استثنى من أراد من فساق أهل الصلاة إذا أراد التفضل باسقاط عقابه، أو من يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم فانه عند ذلك لا يدخله النار وتكون - على هذا - (ما) معناها (من) كأنه قال الا من شاء ربك، فلا يدخله النار، وهو قول ابن عباس وقتادة والضحاك، وجابر بن عبد الله، وابي سعيد الخدري وجماعة من المفسرين. ويجوز على هذا المذهب أن يكون استثناء من الخلود، فكأنه قال إلا ما شاء ربك بأن لا يخلدهم في النار بل يخرجهم عنها.

وقال قتادة: ذكر لنا أن ناساً يصيبهم سفع من النار بذنوب اصابوا، ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته يقال لهم الجهنميون، قال قتادة وحدثنا أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج قوم من النار. وقال قتادة: ولا نقول ما يقول اهل حروراء.

وروي عن ابن عباس أنه قال قولهلابثين فيها أحقاباً } وقوله { خالدين فيها إلا ما شاء ربك } في اهل التوحيد.

السابقالتالي
2