الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }

قرأ أهل الكوفة إلاّ الكسائي وابن عامر يوم { يأت } بغير ياء. الباقون بياء في الوصل دون الوقف، إِلا ابن كثير، فانه أثبت الياء في الحالين.

قال أبو علي: من أثبت الياء في الوصل، فهو القياس البين، لأنه لا شيء - ها هنا - يوجب حذف الياء في الوصل، ومن حذفها في الوقف شبهها بالفاصلة، وان لم يكن فاصلة، لأن هذه الياء تشبه الحركات المحذوفة بدلالة انهم قد حذفوها كما حذفوا الحركة، فكما ان الحركة تحذف في الوقف، فكذلك ما يشبهها من هذه الحروف، فكان في حكمها، ومن اثبتها في الحالين فقد أحسن، لأنها أكثر من الحركة في الصوت، فلا ينبغي اذا حذفت الحركة للوقف ان تحذف الياء له، كما لا تحذف سائر الحروف، ومن حذف الياء في الحالين جعلها في الحالين بمنزلة ما يستعمل محذوفاً مما لم يكن ينبغي في القياس ان يحذف نحو (لم يك، ولا أدر) وهي لغة هذيل، وقال الشاعر:
كفاك كفاً لا تليق درهماً   جواداً وأخرى تعط بالسيف الدما
فحذف الياء في تعط، وليس هذا ما يوجب حذفها.

والضمير في قوله { وما نؤخره } عائدعلى قوله { يوم مشهود } وهو يوم الجزاء. ومعناه الاخبار بأنه تعالى ليس يؤخر يوم الجزاء إِلا ليستوفي الاجل المضروب لوقوع الجزاء فيه. وانما قال { لأجل } ولم يقل الى اجل، لان قوله { لأجل } يدل على الغرض، وان الحكمة أقتضت تاخيره. ولو قال الى اجل لما دل على ذلك. وقوله { يوم يأتِ } يعنى يوم القيامة الذي تقدم ذكره بأنه مشهود. والضمير في { يأتِ } حين الجزاء، لانه قد تقدم الدليل عليه في قوله { يوم مشهود } واحسن الاضمار ما يدلّ الكلام عليه، وانما أضاف { يوم } الى الفعل، لانه اسم زمان فناسب الفعل للزمان من حيث انه لا يخلو منه، وانه يتصرف بتصرفه. وانه لا يكون حادثاً الا وقتاً، كما ان الزمان لا يبقى.

ومعنى قوله { لا تكلم نفس إلا بإذنه } أي لا تتكلم فحذف أحدى التائين لدلالة الكلام عليه. وقيل في معنى { لا تكلم } قولان:

احدهما - ان فيه وقتاً يمنعون من التكلم إلا بالحق فهو باذنه تعالى.

والاخر - انه لا يتكلم بكلام ينفع إلا بإذنه: من شفاعة ووسيلة، بدلالة قولهموالله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } وقال الجبائي: الاذن الجاؤهم الى الحسن، لانه لا يقع منهم ذلك اليوم قبيح.

وقوله { فمنهم شقي وسعيد } اخبار منه تعالى بأنهم ينقسمون قسمين منهم الاشقياء، وهم المستحقون للعقاب، ومنهم السعداء وهم المستحقون للثواب.

والشقاء قوة أسباب البلاء، والشقي من شقي بسوء عمله في معاصي الله، والسعيد من سعد بحسن عمله في طاعة الله، وانما وصف الاجل بأنه معدود، لانه متناه منقض، لان كل معدود قد وجد عدده، لا يكون ذلك الا متناهياً.

السابقالتالي
2