الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } * { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } * { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } * { نَارٌ حَامِيَةٌ }

قرأ حمزة ويعقوب { ما هي } بحذف الهاء فى الوصل، الباقون باثباتها، ولم يختلفوا فى الوقف أنه بالهاء. ومعنى { القارعة } البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة تقول: قرع يقرع قرعاً وهو الصوت بشدة اعتماد، ومنه انشقت القرعة، وتقارع القوم في القتال إذا تضاربوا بالسيوف، وقرع رأسه إذا ضرب في أعلى الشعر حتى يذهبه، والقرعة كالضرب بالفال. وقال وكيع: القارعة، والواقعة، والحاقة القيامة.

وقوله { وما أدراك ما القارعة } تعظيم لشأنها، وتفخيم لامرها وتهويل لشدتها. ومعناه وأي شيء القارعة ومعناه إنك يا محمد صلى الله عليه وآله لا تعلم كبر وصفها وحقيقة أمرها على التفصيل وإنما تعلمها على طريق الجملة، ثم وصفها الله تعالى فقال { يوم تكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش } والمعنى إن القارعة التى وصفها وذكرها تقرع القلوب يوم تكون الناس بهذه الصفة. والفراش الجراد الذي ينفرش ويركَب بعضه بعضاً، وهو غوغاء الجراد - فى قول الفراء - وقال ابو عبيدة: هو طير يتفرش وليس بذباب، ولا بعوض. وقال قتادة: الفراش هو هذا الطير الذي يتساقط فى النار والسراج. والمبثوث المتفرق فى الجهات، كأنه محمول على الذهاب فيها، يقال: بثه يبثه إذا فرقه، وأبثثته الحديث إذا ألفيته اليه، كأنك فرقته بأن جعلته عند اثنين.

وقوله { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } فالعهن الصوف الالوان - في قول أبي عبيدة - قال زهير:
كأن فتات العهن فى كل منزل   نزلن به حب الفنا لم يحطم
ويقال: عهن وعهنة. وقيل: إن الخلائق لعظم ما يرونة من الاهوال ويغشاهم من العذاب يهيم كل فريق على وجهه، ويذهب في غير جهة صاحبه.

وقوله { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } قال الفراء الموازين والاوزان واحد، يقولون: هل لك في درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك. وقال الحسن: فى الآخرة ميزان له كفتان. وهو قول الجبائي واكثر المفسرين. ثم اختلفوا فمنهم من قال: يجعل الله تعالى في احدى الكفتين نوراً علامة للطاعات وفي الآخرى ظلمة علامة للمعاصي فأيهما رجح على الآخر حكم لصاحبه به. وقال آخرون: إنما يوزن صحف الاعمال فما فيها الطاعات تجعل فى كفة وما فيها المعاصي فى كفة أخرى فايهما رجح حكم لصاحبه به. وقال قوم: الميزان عبارة عن العدل ومقابلة الطاعات بالمعاصي، فايهما كان اكثر حكم له به وعبر عن ذلك بالثقل مجازاً لان الاعمال أعراض لا يصح وزنها ولا وصفها بالثقل والخفة، قال الشاعر:
لقد كنت قبل لقائكم ذا مرة   عندي لكل مخاصم ميزانه
يريدون كلامه في معارضته، فبين الله تعالى أن من كانت طاعته أكثر كان ثوابه أعظم، فيكون صاحبها { في عيشة راضية } أي مرضية، ففاعل - ها هنا - بمعنى المفعول، لان معناه ذو رضا كقولهم (نابل) أي ذو نبل، قال النابغة:

السابقالتالي
2