الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

معنى { فلولا } هلا، وهي تستعمل على وجهين: احدهما - على وجه التحضيض والثاني - على وجه التأنيب كقولك: هلا يأتي زيد بحاجتك، وهلا امتنعت من الفساد الذي رغبت اليه. قال الشاعر:
تعدون عقر النيب افضل مجد كم   بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
أي هلا تعدون الشجعان.

وقوله { إلا قوم يونس } نصب لأنه منقطع كما قال الشاعر:
أعيت جواباً وما بالربع من أحد   إلا الأواري لأيا ما ابينها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد   
وحكى الفراء: لا إن ما أبينهما وقال: جمع الشاعر بين ثلاثة أحرف في النفي (لاوان وما) وانما جاز فلولا كانت قرية آمنت لان المراد أهل قرية فحذف اختصاراً من غير اخلال بالمعنى. وقوله { فنفعها إيمانها } معناه هلا كانت اهل قرية آمنت في وقت ينفعها الايمان، وجرى هذا مجرى قول فرعونحتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي } فاعلم الله أن الايمان لا ينفع عند نزول العذاب ولا عند حضور الموت، وقوم يونس لم يقع بهم العذاب كأنهم لما رأوا الآية الدالة على العذاب آمنوا فلما آمنوا كشف عنهم العذاب. والنفع هو اللذة، ومعناه ها هنا انه وجبت لهم اللذة بفعل ما يؤدي اليها كما أن الصلة بالمال نفع، لانه يؤدي إلى اللذة، وكذلك أكل الطعام الشهي وتناول الكريه عند الحاجة نفع لانه يؤدي إلى اللذة. والخزي هو الهوان الذي يفضح صاحبه ويضع من قدره. وقال الجبائي: المراد بأهل القرية - على قول كثير من أهل التأويل - ثمود الذين أهلكهم الله بكفرهم، والتقدير هلا أهل قرية سوى قوم يونس آمنوا فنفعهم ايمانهم وزال عنهم العذاب كما آمن قوم يونس لما أحسوا بنزول العذاب، فكشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعهم وبقاهم أحياء سالمين في الدنيا بعد توبتهم إلى مدة من الزمان. وهذا الذي ذكره إنما كان يجوز لو كان { إلا قوم يونس } رفعاً وكان يكون { إلا قوم يونس } صفة أو بدلا من الاول لان المعنى إلا قوم يونس محمول على معنى هلا كان قوم قرية أو قوم نبي آمنوا الا قوم يونس، قال الزجاج: لم يقرأ أحد بالرفع، ويجوز في الرفع أن يكون بدلا من الأول، وإن لم يكن من جنس الأول كما قال الشاعر:
وبلدة ليس لها أنيس   لا اليعافير والا العيس
وقال ابو عبيدة { إلا } ها هنا بمعنى الواو، والمعنى وقوم يونس. وقال الحسن معنى الاية انه لم يكن فيما خلا أن يؤمن أهل قرية بأجمعها حتى لا يشذ منهم أحد الا قوم يونس. فهلا كانت القرى كلها هكذا. وقرأ طلحة بن مصرف يونس ويوسف بكسر النون والسين أراد أن يجعل الاسمين عربيين مشتقين من أسف وأنس، وهو شاذ.

السابقالتالي
2