الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

حكى الله تعالى أنه اجاب موسى وهارون، فقال لهما { قد أجيبت دعوتكما } والجواب موافقة للدعوة فيما طلب بها لوقوعها على تلك الصفة. فالله تعالى يجيب الدعاء إذا وقع بشروط الحكمة. واختلفوا في هل يجوز أن يجيب الله تعالى دعوة الكافر أم لا؟ فقال ابو علي الجبائي: لا يجوز لان اجابته إكرام له كما يقولون: فلان مجاب الدعوة اي هو رجل صالح. والكافر ليس بهذه المنزلة. وقال ابو بكر بن الاخشاد: يجوز ذلك إذا كان فيه ضرب من المصلحة. والاجابة قد تكون من الاعلى للادون من غير ترغيب المدعو. والطاعة لا تكون إلا من الادنى للاعلى. ولا يجوز عند اكثر المحصلين ان يدعو نبي على قومه من غير إذن سمعي، لانه لا يأمن أن يكون منهم من يتوب مع اللطف في التبقية، فلايجاب. ويكون ذلك فتنة. والدعوة طلب الفعل بصيغة الامر وقد يدعى بصيغة الماضي كقولك: غفر الله لك واحسن اليك، وجزاك الله خيراً. وإنما قال { أجيبت دعوتكما } والداعي موسى لان دعاء موسى كان مع تأمين هارون - على ما قاله الربيع وابن زيد وعكرمة ومحمد بن كعب وأبو العالية - والمؤّمن داع، لان المعنى في التأمين اللهم اجب هذا الدعاء. وقوله { فاستقيما } امر منه تعالى لهما بالاستقامة في دعائهما لفرعون وقومه على ما أمرتكما به ولا تتبعا سبيل الجاهلين لوعدي ووعيدي فانه لا خلف له. وقال ابن جريح: مكث فرعون بعد هذه الامور اربعين سنة.

وقوله { ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون } نهي منه تعالى لموسى وهارون أن يتبعا طريقة من لا يؤمن بالله ولا يعرفه. وقرأ ابن عامر وحده { ولا تتبعان } مخففة النون الا الداحواني عن هشام، فانه خير بين تخفيفها وتشديدها. وقرأ ابن عامر وحده { ولا تتبعان } ساكنة التاء مخففة مشددة النون. وفي قراءة الاخفش الدمشقي عن ابن عامر بتخفيف التاء والنون. الباقون بتشديد التاء والنون. قال ابو علي النحوي: من شدد النون فلأن هذه النون الثقيلة إذا دخلت على (تفعل) فتح لام الفعل، لدخولها وبني الفعل معها على الفتح نحو (لتفعلن) وحذفت النون التي تثبت في (تفعلان) في حال الرفع مع النون الشديدة، وحذف الضم في (لتفعلن)، وإنما كسرت الشديدة بعد ألف التثنية. لوقوعها بعد الف التثنية، فاشبهت التى تلحق الألف في رجلان، لما كانت في هذه مثلها، ودخلت لمعنى كدخولها، ولم يعتد بالنون قبلها، لانها ساكنة، ولانها خفيفة فصارت المكسورة كأنها وليت الألف. ومن خفف النون يحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة كما خففوا (رب) و (ان) ونحوهما، وحذفوا الاولى من المثلين كما أبدلوا الاولى من المثلين في نحو (قيراط ودينار) ولان اصلهما (قرّاط ودّنار) فأبدلوا من إحدى النونين ياء. ويحتمل ان يكون حالا من قوله { فاستقيما } وتقديره فاستقيما غير متبعين. ويحتمل ان يكون على لفظ الخبر والمراد به الامر.