الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

حكى الله تعالى في هذه الاية عن موسى عليه السلام أنه قال يا " ربنا انك اعطيت فرعون وملائه " يعني قومه ورؤساءهم { زينة وأموالاً في الحياة الدنيا } وإنما اعطاهم الله تعالى ذلك للانعام عليهم مع تعريه من وجوه الاستفساد. و (الزينة) ما يتزين به من الحلي والثياب والمتاع. ويجوز أن يراد به حسن الصورة { ليضلوا عن سبيلك } فهذه لام العاقبة، وهي ما يؤل اليه الأمر كقولهفالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً } ويحتمل ان يكون المعنى لئلا يضلوا عن سبيلك فحذفت (لا) كقولهممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما } اي لئلا تضل احداهما، وكقولهأن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } اي لئلا يقولوا. ولا يجوز أن يكون لام الغرض، لأن الله تعالى لا يفعل بهم الزينة ويعطيهم ويريد منهم ان يضلوا بل إنما يفعل لينتفعوا ويطيعوه ويشكروه. وقال قوم: لو كان أراد منهم الضلال لكانوا إذا ضلوا مطيعين، لان الطاعة هي موافقة الارادة وذلك باطل بالاتفاق. وقوله { ربنا اطمس على أموالهم } إخبار عن موسى انه دعا على قومه فسأل الله ان يطمس على اموالهم. والطمس محو الاثر تقول: طمست عينه اطمسها طمساً وطموساً وطمست الريح آثار الديار. فدعا موسى عليه السلام عليهم بأن يقلب حالهم عن الانتفاع بها كقولهمن قبل أن نطمس وجوهاً } والطمس تغير إلى الدبور والدروس قال كعب بن زهير:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرفت   عرصتها طامس الاعلام مجهول
وقال قتادة والضحاك وابن زيد وابو صالح: صارت اموالهم حجارة.

وقوله { واشدد على قلوبهم } معناه ثبتهم على المقام ببلدهم بعد إهلاك اموالهم فيكون ذلك اشد عليهم. وقوله { فلا يؤمنوا } يحتمل موضعه وجهين من الاعراب: احدهما - النصب على جواب صيغة الامر بالفاء او بالعطف على { ليضلوا } وتقريره لئلا يضلوا فلا يؤمنوا. والثاني - الجزم بالدعاء عليهم، كما قال الاعشى:
فلا ينبسط من بين عينك ما انزوى   ولا تلقني إلا وانفك راغم
وقال الفراء: ذلك دعاء عليهم بأن لا يؤمنوا. وحكى الجبائي عن قوم ان المراد بذلك الاستفهام والانكار كأنه قال: إنك لا تفعل ذلك ليضلوا عن سبيلك. وقال احمد بن يحيى ثعلب: هذه لام الاضافة، والمعنى لضلالتهم عن سبيلك { اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم }. وحكى البلخي: انه يجوز أن يكون ذلك على التقديم والتأخير وتقديره ربنا ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا ربنا اطمس على اموالهم وقيل إن قوله { فلا يؤمنوا } خرج مخرج الجواب للامر ومعناه الاخبار، كما يقولون انظر إلى الشمس تغرب. وقيل: ان المعنى لا يؤمنون ايمان الجاء حتى يروا العذاب الأليم وهم مع ذلك لا يؤمنون ايمان اختيار اصلا. وقال بعضهم: اللام لام (كي) وانه اعطاهم الاموال والزينة لكي يضلوا عقوبة وهذا خطأ، لانه يوجب ان يكون ضلالهم عن الدين طاعة لله.