الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

قرأ الكسائي { يعزب } بكسر الزاي هنا وفي سبأ. الباقون بضمها، وهما لغتان. وان كان الضم أفصح واكثر. وقرأ حمزة وخلف ويعقوب { ولا أصغر... ولا أكبر } بالرفع فيهما. الباقون بفتحهما. فمن فتح الراء فلأن (افعل) في الموضعين في موضع جر، لأنه صفة المجرور الذي هو قوله { مثقال ذرة } وانما فتح، لأن (افعل) اذا اتصل به منكر كان صفة لا تنصرف في النكرة. ومن رفعه حمله على موضع الموصوف، لأن الموصوف الذي هو { من مثقال ذرة } الجار والمجرور في موضع رفع، كما كانا في موضعه في قولهكفى بالله } ومثل قولهمن إله غيره } فمن رفع يجوز ان يكون صفة بمنزلة (مثل) ويجوز أن يكون استثناء كما تقول: ما لكم من إله الا الله. ومثلهفاصدّق وأكن من } وغير ذلك. ويجوز أن يعطف قوله { ولا أصغر } على { ذرة } فيكون التقدير وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا مثقال اصغر، فعلى هذا لا يجوز الا الجر لانه لا موضع للذرة غير لفظها، كما كان لقولك من مثقال ذرة موضع غير لفظه. ولا يجوز على قراءة حمزة ان يكون معطوفاً على { ذرة } كما جاز في قول الباقين لأنه اذا عطف على { ذرة } وجب ان يكون اصغر مجروراً، وانما فتح، لأنه لا ينصرف وكذلك يكون على قول من عطفه على الجار الذي هو { من }.

معنى قوله { وما تكون في شأن } ليس تكون في حال من الاحوال، لأن الشأن والبال الحال نظائر وجمعه شؤن. والشأن معنى مفخم على طريق الجملة يقال: ما شأنك وما حالك وما بالك. وقوله { وما تتلو منه من قرآن } اي وليس تتلو من القرآن، فتكون الهاء كناية عن القرآن قبل الذكر لتفخيم ذكر القرآن، كما قالإنه أنا الله العزيز الحكيم } ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على الشأن وتقديره وما يكون من الشأن. وقوله { وما تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً } اي ليس يخفى على الله شيء من اعمالكم بل يعلمها كلها ويشهدها. والمشاهدة الادراك بالحاسة. والمشاهد المدرك بحاسة اي ذات يعني عن حاسة يقال: شاهد وشهود وشهداء. وقوله { إذ تفيضون فيه } فالاضافة الدخول في العمل على جهة الانصباب اليه، وهو الانبساط اليه في العمل مأخوذ من فيض الاناء اذا انصب من جوانبه. ومنه قولهأفضتم من عرفات } اي تفرقتم كتفرق الماء الذى ينصب من الاناء. ومثله أفاض الماء عليه وافاض في الحديث وقوله { وما يعزب عن ربك } فالعزوب الذهاب عن المعلوم وضده حضور المعنى للنفس. وتعزّب اذا انفرد عن اهله. وقال ابن عباس معنى لا يعزب لا يغيب. وقوله { من مثقال ذرة } فالذر صغار النمل واحده ذرة، وهو خفيف الوزن جداً. ومعنى مثقال ذرة وزن ذرة يقال: خذ هذا فانه أخف مثقالا اي اخف وزناً. وقوله { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين } معناه لا يخفى عليه ما وزنه مثقال ذرة ولا ما هو اصغر منها ولا ما هو اكبر الا وقد بينه في الكتاب المحفوظ وكتبته ملائكته وحفظوه.