الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

قرأ حفص { يحشرهم } بالياء. الباقون بالنون. قال أبو علي الفارسي: قوله { كأن لم يلبثوا } يحتمل ثلاثة أوجه: احدها - أن يكون صفة اليوم. والآخر - أن يكون صفة للمقدر المحذوف. والثالث - أن يكون حالا من الضمير في { يحشرهم } فاذا جعلته صفة لليوم احتمل أن يكون التقدير { كأن لم يلبثوا } قبله { إلا ساعة } كما قالفإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } أي امسكوهن قبله، وكذلك قولهفإن فاءوا فإن الله } معناه فان فاءوا قبل انقضاء الاربعة أشهر. ويحتمل أن يكون المعنى { كأن لم يلبثوا } قبله، فحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه، ثم حذفت الهاء من الصفة. ومثلهوترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم } والتقدير وجزاؤه واقع بهم. وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفيناه، ومثله { كأن لم يلبثوا } قبله فحذف وأقام المضاف اليه مقام المضاف، ثم حذف العائد من الصفة، كما يحذف من الصلة في نحو قولهأهذا الذي بعث الله رسولاً } وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شيء في اللفظ، لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال. والمعنى يحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث الا ساعة. ويحتمل أن يكون معمولا بما دل عليه قوله { كأن لم يلبثوا } فاذا جعلته معمولا لـ { يتعارفون } انتصب { يوم } على وجهين: احدهما - أن يكون ظرفاً والآخر - ان يكون مفعولا على السعة، على يا سارق الليلة أهل الدار.

ومعنى { يتعارفون } يحتمل امرين:

احدهما - ان يكون المعنى يتعارفون مدة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها وحذف المفعول للدلالة عليه، أو يكون أعمل الفعل الذي دل عليه { يتعارفون } ألا ترى انه قد دل على سيعلمون إذ يتعارفون، فعلى هذا يكون قوله { ويوم يحشرهم } معمول { يتعارفون }.

والآخر - أن يكون { يوم يحشرهم } معمول ما دل عليه قوله { كأن لم يلبثوا } لأن المعنى تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث، فعمل في الظرف هذا المعنى ولا يمنع المعنى من أن يعمل في الظرف وان تقدم الظرف عليه كقولهم: أكل يوم لك ثوب؟ واذا جعلت { يتعارفون } العامل في { يحشرهم } لم يجز أن يكون صفة اليوم، على أنك كأنك وصفت اليوم بقوله كأن لم يلبثوا ويتعارفون، فوصفت يوم يحشرهم بجملتين لم يجز أن يكون معمولا لقوله { يتعارفون } لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وجاز وصف اليوم بالجمل وان أضيف، لأن الاضافة ليست محضة، فلم تعرفه. ومن قرأ بالنون فلقولهوحشرناهم فلم نغادر } وقولهفجمعناهم جمعاً } وقولهونحشره يوم القيامة أعمى } ومن قرأ بالياء فلقولهليجمعنكم إلى يوم القيامة } والنون والياء متعارفان في مثل هذا بدلالة قولهوكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه } فعلم من هذا ان كل واحد منهما يجري مجرى الآخر.

السابقالتالي
2