الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

اخبر الله تعالى في هذه الآية على وجه التمدح به بأنه لا يظلم أحداً شيئاً وانما الناس هم الذين يظلمون أنفسهم بارتكاب ما نهى الله عنه من القبائح فيستحقون بها عقاباً، فكأنهم الذين أدخلوا عليها ضرراً فلذلك كانوا ظالمين لنفوسهم. والمعنى - ها هنا - ان الله لا يمنع احداً الانتفاع بما كلفهم الانتفاع به من القرآن وأدلته، ولكنهم يظلمون انفسهم بترك النظر فيه والاستدلال به، وتفويتهم انفسهم الثواب وإدخالهم عليها العقاب. ففي الآية دلالة على انه لا يفعل الظلم، لان فاعل الظلم ظالم، كما أن فاعل الكسب كاسب، وليس لهم أن يقولوا يفعل الظلم ولا يكون ظالماً به، كما يفعل العلم ولا يكون به عالما. وذلك أن معنى قولنا: ظالم أنه فعل الظلم، كقولنا: ضارب، أنه يفيد انه فعل الضرب. وكذلك يكون ظالماً بما يفعله من الظلم في غيره، وليس كذلك العالم؛ لأنه يفيد انه على صفة مخصوصة ولذلك قد يكون عالماً بما يفعل فيه من العلم، ولا يكون ظالماً بما يفعل فيه من الظلم ولا يكون عالماً بما يفعل في غيره من العلم وليس كذلك الظلم، فبان الفرق بينهما. وليس لأحد ان يقول: ان الانتفاء من الظلم كالانتفاء من السنة والنوم، في انه ليس بنفي الفعل؛ وذلك أن الظلم مقدور قبل العدل، وليس كذلك النوم واليقظة لانهما يستحيلان عليه. و { لكن } اذا كانت مشددة عملت عمل { إن } واذا خففت لم تعمل لأن المخففة تدخل على المفرد كما يدخل حرف العطف، والثقيلة تدخل على الجملة فتزيل الابتداء.