الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

خاطب الله تعالى بهذه الاية جميع الخلق وأخبرهم بأن الله الذي يملك تدبيركم وتصريفكم بين أمره ونهيه ويجب عليكم عبادته { الله الذي خلق السماوات والأرض } فاخترعهما وأنشأهما على ما فيهما من عجائب الصنعة ومتقن الفعل. وإطلاق الربّ لا يقال إلا فيه تعالى، فاما غيره فانه يقيد له، فيقال: رب الدار، ورب الضيعة بمعنى أنه مالكها. وكذلك معنى قوله { رب العرش } والربوبية ملك التدبير الذي يستحق به العبادة. وقيل في الوجه { الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } بلا زيادة ولا نقصان مع قدرته على إنشائهما دفعة واحدة قولان:

أحدهما - أن في اظهارهما كذلك مصلحة للملائكة وعبرة لهم.

والثاني - لما فيه من الاعتبار إذا أخبر عنه بتصرف الحال كما صرّف الله الانسان من حال إلى حال، لأن ذلك أبعد من توهم الاتفاق فيه.

وقوله { ثم استوى على العرش } معناه استولى عليه بانشاء التدبير من جهته كما يستوي الملك على سرير ملكه بالاستيلاء على تدبيره، قال الشاعر:
ثم استوى بشر على العراق   من غير سيف ودم مهراق
يعني بشر بن مروان. ودخلت { ثم } لأن التدبير من جهة العرش بعد استوائه. وقوله { يدبر الأمر } فالتدبير تنزيل الامور في مراتبها على إحكام عواقبها، وهو مأخوذ من الدبور، فتجري على أحكام الدابر في الباري.

وقوله { وما من شفيع إلا من بعد إذنه } فالشفيع هو السائل في غيره لاسقاط الضرر عنه. وعند قوم أنه متى سأله في زيادة منفعة توصل اليه كان شفيعاً. والذي اقتضى ذكره - ها هنا - صفات التعظيم مع اليأس من الاتكال في دفع الحق على الشفيع. والمعنى - ها هنا - ان تدبيره للأشياء وصنعته لها ليس يكون منه بشفاعة شفيع ولا بتدبير مدبر لها سواه، وأنه لا يجسر أحد أن يشفع اليه إلا بعد ان يأذن له فيه، من حيث كان تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب من خلقه بمصالحهم. وقوله { ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون } معناه إنّ الموصوف بهذه الصفات هو ربكم وإلهكم فاعبدوه وحده، لأنه لا إله لكم سواه، ولا يستحق هذه الصفات غيره. وحثهم على التذكر والتفكر في ذلك وعلى تعرّف صحة ما أخبرهم به وقيل: ان العرش المذكور - ها هنا - هو السماوات والأرض، لأنهن من بنائه. والعرش البناء. ومنه قولهيعرشون } أي يبنون. وأما العرش المعظم الذي تعبد الله الملائكة بالحفوف به والاعظام له وعناه بقولهالذين يحملون العرش ومن حوله } فهو غير هذا. وانما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر، لأن المخاطبين بذلك كانوا يقولون الاصنام شفعاؤهم عند الله. وذكر بعدهاويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله }

السابقالتالي
2