الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

حكي عن الحسن انه قرأ { ولا أدراكم به } وقرأ ابو ربيعة وقنبل الا المالكي والعطار { ولأدراكم به } يجعلانها (لاماً) ادخلت على (ادراكم) وأمال { أدراكم } و (ادراك) في جميع القرآن ابو عمرو وحمزة والكسائي وخلف والداحوني عن ابن ذكوان، والكسائي عن ابي بكر، وافقهم يحيى والعليمي في هذه السورة. حكى سيبويه: دريته ودريت به، قال واكثر الاستعمال التعدي بالباء، يبين ذلك قوله { ولا أدراكم به } ولو كان على اللغة الاخرى لقال ولا ادراكموه، وقالوا: الدرية على وزن (فعلة) كما قالوا الشعرة والفطنة، وهي مصادر يراد بها ضروب من العلم. فأما الدراية فكالهداية والدلالة، وكأن الدراية التأني والتعمل لعلم الشيء وعلى هذا المعنى ما تصرف من هذه الكلمة، وقالوا: داريت الرجل اذا لاينته وختلته فعلى هذا لا يوصف الله تعالى بالداري، واما قول الراجز.
اللهم لا أدري وانت الداري   
فلا يكون حجة في جواز ذلك لأمرين: احدهما - انه لما تقدم قوله: لا أدري استجاز أن يذكر الداري بعده، ليزدوج الكلام، كما قال تعالىفمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } ونظائره كثيرة. والثاني - إن الأعراب ربما ذكروا أشياء امتنع جوازها كما قال:
لو خافك الله عليه حرمه   
وقال آخر:
اللهم إن كنت الذي بعهدي   ولم تغيرك الأمور بعدي
فاما الهمزة على ما حكي عن الحسن، فلا وجه له لأن الدرء الدفع، كما قالفادرءوا عن أنفسكم الموت } وقالفادّارأتم فيها } وقوله عليه السلام (ادرأوا الحدود بالشبهات) قال الفراء: ان كان ما حكي عن الحسن لغة، وإلا يجوز أن يكون الحسن ذهب إلى طبعه وفصاحته فذهب إلى درأت الحد، وقد يغلط بعض العرب في الحرف اذا ضارعه آخر في الهمزة فيهمز ما ليس مهموزاً، سمعت امرأة من غني تقول: رثأت زوجي بأبيات، ويقولون: لبأت بالحج وحلأت السويق. وكل ذلك غلظ، لأن (حلأت) انما هو من دفع الابل العطاش عن الماء و " لبأت " من اللباء الذي يؤكل، و " رثأت " من الرثية اذا حلبت الحليب على الرايب، ومن أمال فتحة الراء وأمال الالف بعدها، فلان هذه الألف تنقلب ياء في أدريته، وهما مدريان. ومن لم يمل فلأن الاصل عدم الامالة، ولأن كثيراً من الفصحاء لا يميل ذلك.

ومعنى قوله { ولا أدراكم به } قال ابن عباس ولا أعلمكم به من (دريت به) وأدراني الله به. ومعنى الاية الأمر للني صلى الله عليه وآله بأن يقول لهؤلاء الكفار لو اراد الله ان يمنعهم فائدته ما أعلمهم به، ولا أمر النبي صلى الله عليه وآله بتلاوته عليهم.

وقوله { فقد لبثت فيكم عمراً من قبله } معناه لبثت عليه هذه الصفة لا أتلوه عليكم ولا يعلمكم الله به حتى أمرني به وشاء اعلامكم.

السابقالتالي
2