الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

الاعراب:

أجمع المفسرون والقراء على جر { غير } لأنها نعت للذين، وانما جاز أن تكون نعتاً للذين، والذين معرفة وغير نكرة لأن الذين بصلتها ليست بالمعرفة كالأسماء المعية التي هي أعلام كزيد وعمرو وانما هي كالنكرات اذا عرّفت كالرجل والبعير فلما كانت الذين كذلك كانت صفتها كذلك ايضاً وجاز ان تكون نعتاً للذين، كما يقال لا أجلس إلا إلى العالم غير الجاهل، ولو كانت بمنزلة الأعلام لما جاز، كما لم يجز في قولهم: مررت بزيد غير الظريف، فلا يجرها على انها نعت، وان نصبتها في مثل هذا جاز على الحال. ويحتمل ايضاً ان تكون مجرورة لتكرير العامل الذي خفض الذين فكأنك قلت: صراط الذين انعمت عليهم، صراط غير المغضوب عليهم ويتقارب معناهما لأن الذين انعمت عليهم هم الذين لم يغضب عليهم وقرىء في الشواذ غير المغضوب عليهم بالنصب، ووجهها ان تكون صفة للهاء والميم اللتين في عليهم، العائدة على الذين؛ لانها وان خفضت بعلى فهي موضع نصب بوقوع الانعام عليها، ويجوز ان يكون نصباً على الحال وقال الاخفش والزجّاج: انها نصب على وجه الاستثناء من معاني صفة الذين أنعمت عليهم، وتقديره: إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم إلا المغضوب عليهم الذين لم تنعم عليهم في اديانهم فلا تجعلنا منهم، ويكون استثناء من غير جنس كما قال النابغة للذبياني:
وقفت فيها أصيلا لا اسائلها   أعيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الاواري لأيا ما ابينها   والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
وقال الفرّاء: وتغلب هذا خطأ، لأنه لو كان كذلك لما قال: ولا الضالين لأن لا نفي وجحد. ولا يعطف على جحد إلا بجحد، ولا يعطف بالجحد على الاستثناء وانما يعطف بالاستثناء على استثناء وبالجحد على الجحد. يقولون قام القوم إلا أخاك وإلا أباك ولا قام أخوك ولا أبوك، ولا يقولون ما قام القوم إلا أخاك ولا أباك، فعلى هذا تكون { غير } بمعنى: لا فكأنه قال لا المغضوب عليهم ولا الضالين. قال الرماني: من نصب على الاستثناء جعل لا صلة، كما انشد ابو عبيدة
في بئر لا حور سرى وما شعر   
أي في بئر هلكة.

{ والمغضوب عليهم } هم اليهود عند جميع المفسرين الخاص والعام، لأنه تعالى قد أخبر انه غضب عليهم وجعل فيهم القردة والخنازير، { ولا الضالين } هم النصارى لأنه قال:وضلوا عن سواء السبيل } وقال { لعن الذين كفروا } يعني النصارى. وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وقال بعضهم لا: زائدة تقديره: غير المغضوب عليهم والضالين كما قال:ما منعك أن لا تسجد } أي معناه أن تسجد قال ابو النجم:
فما ألوم البيض ألا تسخرا   لما رأين الشِّمط القفندرا

السابقالتالي
2