الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

{ وتلك القرى } [59] أي أهل القرى { أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً } أي يوم القيامة يدخلون النار فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشاً بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى عليه السلام أن يتبعه وما قصته؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ { وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً } [60] قال: وكان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى تكليماً وأنزل عليه الألواح وفيها كما قال الله تعالى: وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه قال في نفسه ما خلق الله خلقاً أعلم مني فأوحى الله إلى جبرائيل أن أدرك موسى فقد هلك وأعلمه أن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلاً أعلم منك فصر إليه وتعلم من علمه، فنزل جبرائيل على موسى عليه السلام وأخبره فذل موسى في نفسه وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب وقال لوصيه يوشع بن نون: إن الله قد أمرني أن أتبع رجلاً عند ملتقى البحرين وأتعلم منه، فتزود يوشع حوتاً مملوحاً وخرجا فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلاً مستلقياً على قفاه فلم يعرفاه، فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحي الحوت ودخل في الماء فمضى موسى ويوشع معه حتى عشيا فقال موسى لوصيه { آتنا غداء‌نا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } [62] أي عناء‌اً فذكر وصيه السمك فقال لموسى: إني نسيت الحوت على الصخرة فقال موسى: ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فرجعا على { آثارهما قصصاً } [64] أي عند الرجل وهو في صلاته فقعد موسى حتى فرغ من صلاته فسلم عليهما.

فحدثني محمد بن علي بن بلال عن يونس قال: اختلف يونس وهشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان أعلم وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه فقال قاسم الصيقل: فكتبوا ذلك إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك فكتب في الجواب: أتى موسى العالم فأصابه وهو في جزيرة من جزائر البحر إما جالساً وإما متكئاً فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس فيها سلام قال: من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، قال: أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليماً؟ قال: نعم، قال: فما حاجتك؟ قال: جئت أن تعلمن مما علمت رشداً قال: إني وكلت بأمر لا تطيقه ووكلت أنت بأمر لا أطيقه، ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد من البلاء وكيد الأعداء حتى اشتد بكاؤهما ثم حدثه العالم عن فضل آل محمد حتى جعل موسى يقول يا ليتني كنت من آل محمد، وحتى ذكر فلاناً وفلاناً وفلاناً ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه وذكر له من تأويل هذه الآية: { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } حين أخذ الميثاق عليهم فقال له موسى { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً } [66] فقال الخضر: { إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } [67-68] فقال موسى عليه السلام: { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } [69] قال الخضر: { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا } [70] يقول لا تسألني عن شيء أفعله ولا تنكره علي حتى أنا أخبرك بخبره قال: نعم، فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر وقد شحنت سفينة وهي تريد أن تعبر فقال لأرباب السفينة: تحملوا هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون، فحملوهم فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر إلى جوانب السفينة فكسرها وأحشاها بالخرق والطين، فغضب موسى غضباً شديداً وقال للخضر: { أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إِمراً } [71] فقال له الخضر عليه السلام: { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } [72] قال موسى: { لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } [73] فخرجوا من السفينة فمروا فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر في أذنيه درتان، فتأمله الخضر ثم أخذه فقتله، فوثب موسى على الخضر وجلد به الأرض فقال: { أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً } [74] فقال الخضر: { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } [75] قال موسى: { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية } [76-77] بالعشي تسمى الناصرة وإليها ينتسب النصارى ولم يضيفوا أحداً قط ولم يطعموا غريباً فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم فنظر الخضر عليه السلام إلى حائط قد زال لينهدم فوضع الخضر يده عليه وقال: قم بإذن الله فقام فقال موسى لن ينبغ لك أن تقيم الجدار حتى يطعمونا ويأوونا وهو قوله: { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } فقال له الخضر: { هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة } [78-79] التي فعلت بها ما فعلت فإنها كانت لقوم { مساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراء‌هم } أي وراء السفينة { ملك يأخذ كل سفينة } صالحة { غصباً } كذا نزلت وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئاً { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } [80] وطبع كافراً، كذا نزلت، فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب طبع كافراً { فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً } [80-81] فأبدل الله لوالديه بنتاً وولدت سبعين نبياً، وأما الجدار الذي أقمته { فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما - إلى قوله - ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً } [82].

السابقالتالي
2