الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } * { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } * { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }

اللغة: الشرح فتح الشيء بإذهاب ما يصدّ عن إدراكه وأصل الشرح التوسعة ويعبّر عن السرور بسعة القلب وشرحه وعن الهم بضيق القلب لأنه يورث ذلك والوزر الثقل في اللغة ومنه اشتق اسم الوزير لتحمله أثقال الملك وإنما سميت الذنوب أوزاراً لما يستحق عليها من العقاب العظيم والأنقاض الأثقال التي كان ينتقض بها ما حمل عليه والنقض والهدم واحد ونقض المذهب إبطاله بما يفسده وبعير نقض سفر إذا أثقله السفر والنصب التعب وأنصبه الهم فهو منصب قال الشاعر:
تَعَنَّـاكَ هَـمٌّ مِـنْ أُمَيْمَـة مُنْصَـبُ   
وهمٌّ ناصب ذو نصب قال النابغة:
كِلينِـي لهـمٍّ يـا أُمَيْمَـةَ ناصِــبُ   
المعنى: ثمَّ أتمَّ سبحانه تعداد نعمه على نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { ألم نشرح لك صدرك } روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد سألت ربي مسألة وددت أني لم أساله قلت أي رب إنه قد كان أنبياء قبلي منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى قال فقال ألم أجدك يتيماً فآويتك قال قلت بلى قال ألم أجدك ضالاً فهديتك قال قلت بلى أي رب قال ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك قال قلت بلى أي رب " والمعنى ألم نفتح لك صدرك ونوسع قلبك بالنبوة والعلم حتى قمت بإداء الرسالة وصبرت على المكاره واحتمال الأذى واطمأننت إلى الإِيمان فلم تضق به ذرعاً ومنه تشريح اللحم لأنه فتحه بترقيقه فشرح سبحانه صدره بأن ملأه علماً وحكمة ورزقه حفظ القرآن وشرائع الإِسلام ومنَّ عليه بالصبر والاحتمال. وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم كان قد ضاق صدره بمعاداة الجن والإنس إياه ومناصبتهم له فآتاه من الآيات ما اتسع به صدره بكل ما حمله الله إياه وأمره به وذلك من أعظم النعم عن البلخي. وقيل: معناه ألم نشرح صدرك بإذهاب الشواغل التي تصدّ عن إدراك الحق وعن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله أينشرح الصدر قال: " " نعم " قالوا يا رسول الله وهل لذلك علامة يعرف بها قال: " نعم التجافي عن دار الغرور والإِنابة إلى دار الخلود والإعداد للموت قبل نزول الموت ". ومعنى الاستفهام في الآية التقرير أي قد فعلنا ذلك ويدلُّ عليه قوله في العطف عليه { ووضعنا عنك وزرك } أي وحططنا عنك وزرك { الذي أنقض ظهرك } أي أثقله حتى سمع له نقيض أي صوت عن الزجاج قال وهذا مثل معناه أنه لو كان حملاً لسمع نقيض ظهره. وقيل: إن المراد به تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها سهَّل الله ذلك عليه حتى تيسر له ومنَّ عليه بذلك عن أبي عبيدة وعبد العزيز بن يحيى.

السابقالتالي
2 3 4