الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

اللغة: المعاهدة هي أن تقول علي عهد الله لأفعلنَّ كذا فإنه يكون بذلك قد عقد على نفسه وجوب ما ذكره لأن الله تعالى قد حكم بذلك وقدر وجوبه عليه في الشرع والبخل منع السائل لشدة الإعطاء ثم صار في الشرع لمنع الواجب لأنَّ من منع الزكاة فهو بخيل قال الرماني لا يجوز أن يكون البخل منع الواجب لمشقة الإعطاء كما قال زهير:
إنَّ الْبَخِيلَ مَلُومٌ حَيْثُ كانَ وَلَـ   ـكِنَّ الْجَوادَ عَلى عِلاتِهِ هَرِمُ
قال لأنه يلزم على ذلك أن يكون الجود هو بذل الواجب من غير مشقة الإعطاء وكان من قضى ديناً عليه يكون جواداً لأنه أدّى الواجب من غير مشقة وإنما قال زهير ما قاله لأن البخل صفة نقص قال ومن منع ما لا يضرّه بذله ولا ينفعه منعه مما تدعو إليه الحكمة فهو بخيل لأنه لا يقع المنع على هذه الصفة إلا لشدة في النفس وإن لم يرجع إلى ضرّ إذ الشدة من غير ضرّ معقولة كما يصفون الجورة بأنها لئيمة لأجل الشدّة وأعقبه وأورثه وأدّاه نظاير وقد يكون أعقبه بمعنى جازاه قال النابغة:
فَمَنْ أَطــاعَ فَأَعْقِبْــهُ بِطاعَتِــهِ   كَمــا أَطاعَــكَ وأدْلُلْـهُ عَلَى الرَّشَدِ
وَمَنْ عَصــاكَ فَعاقِبْــهُ مُعاقَبَةً   تَنْهَى الظَّلُومَ ولا تَقْعُدْ على ضَمَدِ
والنجوى الكلام الخفي. يقال: ناجيته وتناجوا وانتجوا وفلان نجيّ فلان والجمع أنجية قال:
إنِّـــي إذا مـــا القـَوْمُ كانُوا أنْجِيَهْ   وَاضْطَرَبَ الْقَوْمُ اضْطِرابَ الأرْشِيَهْ
وأصله من النجوى وهو البعد كأن المتناجين قد تباعدا من غيرهما. وقيل: هو من النجوة أي المكان المرتفع الذي لا يصل إليه السيل فكأنهما رجعا حديثهما إلى حيث لا يصل إليه غيرهما. الإعراب: معنى لمّا معنى إذا لأن لما الغالب عليها الجزاء وهي اسم يقع في جواب متى يقال متى كان كذا فيقول السامع لمّا كان كذا ولمّا ولولا يكونان لما مضى بخلاف إنْ وإذا فإنهما لما يستقبل إلا أن لولا على تقدير نفي وجوب الثاني لانتفاء الأول ولمّا يدل على وقوع الثاني لوقوع الأول. فلما آتاهم من فضله المفعول الثاني محذوف تقديره فلما آتاهم ما تمنوه من فضله لنصدَّقنَّ أصله لنتصدَّقن أدغمت التاء في الصاد. النزول: قيل " نزلت في ثعلبة بن حاطب وكان من الأنصار فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالاً فقال: " يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه أما لك في رسول الله أسوة حسنة والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهباً وفضة لسارت " ثم أتاه بعد ذلك فقال: يارسول الله أدع الله أن يرزقني مالاً والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطينَّ كل ذي حق حقه فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم ارزق ثعلبة مالاً ". قال: فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل وادياً من أوديتها ثم كثرت نمواً حتى تباعد عن المدينة فاشتغل بذلك عن الجمعة والجماعة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه المصدق ليأخذ الصدقة فأبى وبخل وقال ما هذه إلا أخت الجزية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة "

السابقالتالي
2 3