الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }

اللغة: العدة والأهبة والآلة نظائر والانبعاث الانطلاق بسرعة في الأمر وفلان لا ينبعث في الحاجة أي ليس له نفاذ فيها والتثبيط التوقيف عن الأمر بالتزهيد فيه ومثله التربيث والخَبَال الفسال والخبال الموت والخَبَال الاضطراب في الرأي والخَبْلَ بسكون الباء وفتحها الجنون والخَبْل فساد الأعضاء قال:
أَبَنِي لُبَيْنى لَسْتُمُ بِيَدٍ   إلاَّ يَداً مَخْبُولَةَ الْعَضُدِ
والإيضاع الإسراع في السير قال امرؤ القيس:
أرانا مُوضِعِينَ لِحَتْمِ غَيْبٍ   وَنُسْحَرُ بِالطَّعامِ وَبِالشَّرابِ
وربما قالوا للراكب وضع بغير ألف ووضعت الناقة تضع وَضْعاً ووُضوعاً وأوضعتها إيضاعاً قال:
يا لَيْتَنِــي فِيهـا جَــــذَعْ   أخَـــبُّ فِيهــا وَأضَـــعْ
خلالكم أي بينكم مشتق من التخلل وفي الحديث: " تراصوا بين الصفوف لا يتخللكم الشياطين كأنها بنات حَذَفٍ " والتقليب تصريف الشيء بجعل أعلاه أسفله ورجل حُوَّلٌ قُلَّبٌ كأنه يقلب الآراء في الأمور ويحوّلها. المعنى: ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء المنافقين فقال { ولو أرادوا الخروج } مع النبي صلى الله عليه وسلم نصرة له أو رغبة في جهاد الكفار كما أراد المؤمنون ذلك { لأعدّوا له عدّة } أي لاستعدّوا للخروج عدة وهي ما يعدّ لأمر يحدث قبل وقوعه والمراد لأخذوا أهبة الحرب من الكراع والسلاح لأن إمارة من أراد أمراً أن يتأهب له قبل حدوثه { ولكن كره الله انبعاثهم } معناه ولكن كره الله خروجهم إلى الغزو ولعلمه أنهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين وكانوا عيوناً للمشركين وكان الضرر في خروجهم أكثر من الفائدة { فثبَّطهم } عن الخروج الذي عزموا عليه لا عن الخروج الذي أمرهم به لأن الأول كفر والثاني طاعة ولا ينبغي أن يقال كيف كره انبعاثهم بعدما أمر به في الآية الأولى لأنه إنما أمر بذلك على وجه الذب عن الدين ونية الجهاد وكره ذلك على نية التضريب والفساد فقد كره غير ما أمر به ومعنى ثبَّطهم بطأ بهم وخذلهم لما يعلم منهم من الفساد. { وقيل اقعدوا مع القاعدين } أي وقيل: لهم اقعدوا مع النساء والصبيان ويحتمل أن يكون القائلون لهم ذلك أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد ويحتمل أن يكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لهم على وجه التهديد والوعيد لا على وجه الإذن ويجوز أن يكون أيضاً على وجه الإذن لهم في القعود الذي عاتبه الله تعالى عليه إذ كان الأولى أن لا يأذن لهم ليظهر للناس نفاقهم. قال أبو مسلم: هذا يدل على أن الاستئذان كان في الخروج وأن الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان في الخروج لأنه إذا كره الله سبحانه خروجهم وأراد قعودهم وأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قعودهم فلا عتب عليه ولكنهم استأذنوا في الخروج تملقاً وإرادة للفساد فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهم فيه ولم يعلم ضمائرهم فعلم الله تعالى ذلك من نياتهم ومنعهم من الخروج إذ كره خروجهم.

السابقالتالي
2