الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

قرأ " يُضِلّ " بضم الياء وكسر الضاد ابن مقسم عن أبي عمرو ورويس عن يعقوب والباقون يَضِل بفتح الياء وكسر الضاد. الحجة: قال أبو علي: النسيء مصدر كالنذير والنكير وعذير الحي ولا يجوز أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول كما قاله بعض الناس: لأَنه إن حمل على ذلك كان معناه إنما المؤخر زيادة في الكفر والمؤخر الشهر وليس الشهر نفسه بزيادة في الكفر وإنما الزيادة في الكفر تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة فأما نفس الشهر فلا وأما ما روي من النَسي بالياء فذلك يكون على إبدال الياء من الهمزة ولا أعلمها لغة في التأخير كما إن أرجيت لغة في أرجأت وما روي من النسيّ بتشديد الياء فعلى تخفيف الهمزة وليس هذا القلب مثل القلب في النسي بالياء لأَن النسيّ بتشديد الياء على وزن فعيل تخفيف قياسي كما أن مقروة في مقرؤة تخفيف قياسي وليس النسيء كذلك وذكر ابن جني فيه ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون أراد النسيء ثم خفف بأن أبدلت الهمزة ياء كما قال الشاعر:
أَهْبَى التُرابَ فَوْقَهُ إهْبايا   
أراد إهباء والثاني: أن يكون فعلاً من نسيت لأَن الشيء إذا أخرّ فكأنه نسي والثالث: وفيه الصيغة أن يكون أراد النسيء على فعيل ثم خفف وأدغم فصار النسيّ ثم قصر فعيلاً بحذف يائه فصار نسى ثم أسكن كما قيل في سميح سمح وفي رطيب رطب وفي جديب جدب فأما قوله: يضل فليس في يضل إشكال ولا في يضل لأَن المضل لغيره ضال بفعله إضلال غيره فأما يُضل فالمعنى فيه إن كبراءهم وأشرافهم يضلونهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور وقرئ في الشواذ { يضل } بفتح الياء والضاد وهذه لغة أعني ضللت أضَلُّ. اللغة: قال أبو زيد: نسأت الإِبل في ظمئها يوماً أو يومين أو أكثر من ذلك والمصدر النسيء. يقال: نسأت الإِبل عن الحوض أنساها نساءً إذأ اخرتها عنه والمواطأة الموافقة يقال واطأ في الشعر إذا قال بيتين على قافية واحدة وأوطأ مثله. المعنى: لما قدَّم سبحانه ذكر السنة والشهر عقبه بذكر ما كانوا يفعلونه من النسيء فقال { إنما النسيء زيادة في الكفر } يعني تأخير الأشهر الحرم عما رتَّبها الله سبحانه عليه وكانت العرب تحرم الشهور الأَربعة وذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم واسماعيل وهم كانوا أصحاب غارات وحروب فربما كان يشقُّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا يؤخّرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرّمونه ويستحلّون المحرم فيمكثون بذلك زماناًَ ثم يزول التحريم إلى المحرم ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة. قال ابن عباس: ومعنى قوله { زيادة في الكفر } أنهم كانوا أحلّوا ما حرّم الله وحرموا ما أحلّ الله قال الفراء: والذي كان يقوم به رجل من كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة وكان رئيس الموسم فيقول أنا الذي لا أعاب ولا أخاب ولا يرّد لي قضاء فيقولون نعم صدقت أنسئنا شهراً أو أخّر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر وأحلّ المحرم فيفعل ذلك والذي كان ينسأها حين جاء الإِسلام جنادة بن عوف بن أمية الكناني.

السابقالتالي
2