الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر اثنا عشر واحد عشر وتسعة عشر بسكون العين والباقون بفتحها. الحجة: الوجه في ذلك أن الاسمين لما جعلا كالاسم الواحد وبني الأَول منهما لأَنه كصدر الاسم والثاني منهما لتضمنه معنى واو العطف جعل تسكين أول الثاني دليلاً على أنهما قد صارا كالاسم الواحد. اللغة والإِعراب: كافة بمعنى الإِحاطة مأخوذ من كافة الشيء وهي حرفه وإذا انتهى الشيء إلى ذلك كفَّ عن الزيادة وأصل الكف المنع ومنه المكفوف وهو الممنوع البصر وكافة نصب على المصدر ولا يدخل عليها الأَلف واللام لأنه من المصادر التي لا تتصرف لوقوعه موقع معاً وجميعاً بمعنى المصدر الذي في موضع الحال المؤكدة فهو في لزوم النكرة نظير أجمعين في لزوم المعرفة هذا قول الفراء وقال الزجاج: كافة تنصب على الحال وهو مصدر على فاعله كالعافية والعاقبة وهو في موضع قاتلوا المشركين محيطين بهم باعتقاد مقاتلهم ولا يثنّى ولا يجمع فلا يقال: قاتلوهم كافات ولا كافين كما أنك إذا قلت قاتلوهم عامه لم تثن ولم تجمع وكذلك خاصة هذا مذهب النحويين. المعنى: لما ذكر الله سبحانه وعيد الظالم لنفسه بكنز المال من غير إخراج الزكاة وغيرها من حقوق الله منه اقتضى ذلك أن يذكر النهي عن مثل حاله وهو الظلم في الأَشهر الحرم الذي يؤدّي إلى مثل حاله أو شرّ منه في المنقلب فقال { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً } أي عدد شهور السنة في حكم الله وتقديره اثنا عشر شهراً وإنما تعبد الله المسلمين أن يجعلوا سنيهم على اثني عشر شهراً ليوافق ذلك عدد الأَهلة ومنازل القمر دون ما دان به أهل الكتاب والشهر مأخوذ من شهرة الأَمر لحاجة الناس إليه في معاملاتهم ومحل ديونهم وحجّهم وصومهم وغير ذلك من مصالحهم المتعلقة بالشهور وقوله { في كتاب الله } معناه فيما كتب الله في اللوح المحفوظ وفي الكتب المنزلة على أنبيائه. وقيل: في القرآن. وقيل: في حكمه وقضائه عن أبي مسلم. وقوله { يوم خلق السماوات والأَرض } متصل بقولـه عند الله والعامل فيهما الاستقرار وإنما قال ذلك لأنه يوم خلق السماوات والأَرض أجرى فيها الشمس والقمر وبمسيرهما تكون الشهور والأَيام وبهما تعرف الشهور { منها أربعة حرم } أي من هذه الاثني عشر شهراً أربعة أشهر حرم ثلاثة منها سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب، ومعنى حرم أنه يعظم انتهاك المحارم فيها أكثر مما يعظم في غيرها وكانت العرب تعظمها حتى لو أن رجلاً لقي قاتل أبيه فيها لم يهجه لحرمتها وإنما جعل الله تعالى بعض هذه الشهور أعظم حرمة من بعض لما علم من المصلحة في الكف عن الظلم فيها لعظم منزلتها ولأَنه ربما أدّى ذلك إلى ترك الظلم أصلاً لانطفاء النائرة وانكسار الحمية في تلك المدة فإن الأَشياء تجر إلى أشكالها وشهور السنة المحرم سمي بذلك لتحريم القتال فيه وصفر سمي بذلك لأَن مكة تصفر من الناس فيه أي تخلو وقيل: لأَنه وقع وباء فيه فاصفرَّت وجوههم.

السابقالتالي
2