الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

اللغة: الكنز في الأَصل هو الشيء الذي جمع بعضه إلى بعض ويقال للشيء المجتمع مكتنز وناقة كناز اللحم مجتمعة قال نفطويه سمي الذهب ذهباً لأَنه يذهب ولا يبقى وسميت الفضة فضة لأنها تنفض أي تتفرق فلا تبقى وحسبك بالاسمين دلالة على فنائهما والإِحماء جعل الشيء حاراً في الإِحساس وهو فوق الإِسخان وضدُّه التبريد يقال حمى يحمي حمَّى وأحماه غيره والكي إلصاق الشيء الحار بالعضو من البدن. الإِعراب: الذين يكنزون موضعه نصب لأَنه معطوف على اسم إنَّ ويكون المعنى وان الذين يكنزون الذهب والفضة ولا يأكلونها ويجوز أن يكون رفعاً على الاستئناف وذكر في قولـه { ولا ينفقونها } وجوه أحدها: أنه أراد لا ينفقون الكنوز فرجع الضمير إلى ما دلَّ عليه الكلام والثاني: أنه لما ذكر الذهب والفضة دل على الأَموال فكأنه قال ولا ينفقون الأَموال والثالث: أن الذهب مؤنث وهو جمع واحده ذهبة وهذا الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء يذكّر ويؤنَّث ثم لما اجتمعا في التأنيث وكان كل واحد منهما يؤخذ عن صاحبه في الزكاة على قول جمهور العلماء جعلهما كالشيء الواحد وردّ الضمير إليهما بلفظ التأنيث والرابع: أنه اكتفى بإحداهما عن الآخر للإِيجاز وردّ الضمير إلى الفضة لأَنها أقرب إليه كما قال حسان.
إنَّ شَرْخَ الشَّبابِ وَالشَّعرَ الأَسْوَدَ   مـــا لَمْ يُعـــاصَ كــانَ جُنُونا
وقد مرَّ ذكر أمثاله فيما مضى. المعنى: ثم بيَّن سبحانه حال الأَحبار والرهبان فقال { يا أيها الذين أمنوا إنّ كثيراً من الأَحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل } أي يأخذون الرشى على الحكم عن الحسن والجبائي، وأكل المال بالباطل تملّكه من الجهات التي يحرم منها أخذه إلا أنه لما كان معظم التصرف والتملك للأكل وضع الأَكل موضع ذلك. وقيل: إن معناه يأكلون متاع أموال الناس من الطعام فكأنهم يأكلون الأَموال لأَنها ثمن المأكول كما قال الشاعر:
ذَرِ الآكِلِينَ الماءَ لَوْماً فما أرى   يَنالــــونَ خَيْراً بَعْدَ أَكْلِهِم الْماءَ
أي ثمن الماء { ويصدُّون عن سبيل الله } أي يمنعون غيرهم عن اتباع الإِسلام الذي هو سبيل الله التي دعاهم إلى سلوكها وعن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } أي يجمعون المال ولا يؤدُّون زكاته فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً وكل مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأَرض " وبه قال ابن عباس والحسن والشعبي والسدي قال الجبائي: وهو إجماع وروي عن علي ع ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز أدّى زكاته أو لم يؤدّ وما دونها فهو نفقة وتقدير الآية { والذين يكنزون الذهب ولا ينفقونه في سبيل الله } ويكنزون الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فحذف المعطوف من الأَول لدلالة الثاني عليه كما حذف المفعول في الثاني لدلالة الأَول عليه في قوله:

السابقالتالي
2 3