الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

القراءة: قرأ يعقوب برواية روح وزيد ورسولَه بالنصب وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمرو وقرأ سائر القراء ورسولُه بالرفع وفي الشواذ قراءة عكرمة وعطاء لم ينقضوكم بالضاد المعجمة. الحجة: من قرأ { ورسوله } بالرفع فإنه على الابتداء وخبره محذوف ويدل عليه ما تقدَّمه وتقديره ورسوله أيضاً بريءٌ منهم ويجوز أن يكون معطوفاً على المضمر في بريء وحسن العطف عليه وإن كان غير مؤكد لأن قوله { من المشركين } قام مقام التوكيد وذكر سيبويه وجهاً ثالثاً وهو أن يكون معطوفاً على موضع أن وهذا وهم منه لأن أنَّ المفتوحة مع ما بعدها في تأويل المصدر فقد تغيَّرت عن حكم المبتدأ وصارت في حكم ليت ولعل، وكَأَنَّ في إحداثها معنى يفارق المبتدأ، فكما لا يجوز العطف على مواضعهن فكذا لا يجوز العطف على موضع أنَّ وإنما يجوز العطف على موضع إن المكسورة كما قال الشاعر:
فَمَنْ يَكُ أمْسى بِالمَدِينَةِ رَحْلُهُ   فَإنِّــــي وَقَيَّـــارٌ بِها لَغَرِيــبُ
ولعلَّ سيبويه توهم أنها مكسورة فحمل على موضعها فقد قرأ في الشواذ { أنَّ الله بريء } بالكسر فلعله تأوَّل على هذه القراءة ومن نصب عطفه على اسم الله تعالى وعلى هذا فيكون خبره محذوفاً أيضاً ومن قرأ لم ينقضوكم فمعناه لم ينقضوا أموركم وعهودكم. اللغة: الأذان الأعلام. يقال: أذنته بكذا فأذن أي أعلمته فعلم. وقيل: إن أصله من النداء الذي يسمع بالأذن ومعناه أوقعه في أذنه وتأذَّن بمعنى آذن كما يقال تيقَّن وأيقن والمدة والزمان والحين نظائر وأصله من مددت الشيء مدّاً فكأنه زمان طويل الفسحة والمدة عند المتكلمين اسم للمعدود حركات الفلك وهو محدث. الإعراب: وأذان عطف على براءة عن الزجاج. وقيل: إن تقديره عليكم أذان لأن فيه معنى الأمر فيكون مبتدأ وخبره محذوف عن علي بن عيسى ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر قولـه { أن الله بريء } على حذف الباء كأنه قال بأن الله وعلى الوجهين الأولين يكون موضع أن نصباً على أنه مفعول له وقولـه { الذين عاهدتم } في موضع نصب على الإستثناء وبَشِّر معطوف على معنى الأذان أي أذن وبَشِّر عن أبي مسلم. المعنى: ثم بيَّن سبحانه أنه يجب إعلام المشركين ببراءة منهم لئلا ينسبوا المسلمين إلى الغدر فقال { وأذان من الله ورسوله إلى الناس } معناه وإعلام وفيه معنى الأمر أي أذنوا الناس يعني أهل العهد. وقيل: المراد بالناس المؤمن والمشرك لأن الكل داخلون في هذا الإعلام. وقوله: { إلى الناس } أي للناس يقال هذا إعلام لك وإليك { يوم الحج الأكبر } فيه ثلاثة أقوال أحدها: أنه يوم عرفة عن عَمْرو سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وروي ذلك عن علي ع ورواه المسور بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عطاء: الحج الأكبر الذي فيه الوقوف والحج الأصغر الذي ليس فيه وقوف وهو العمرة وثانيها: أنه يوم النحر عن علي وابن عباس وسعيد بن جبير وابن زيد والنخعي ومجاهد والشعبي والسدي وهو المروي عن أبي عبد الله ع ورواه ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحسن: وسمي الحج الأكبر لأنه حجَّ فيه المشركون والمسلمون ولم يحجّ بعدها مشرك ثالثها: أنه جميع أيام الحج عن مجاهد أيضاً وسفيان فمعناه أيام الحج كلها كما يقال: يوم الجمل ويوم صفين ويوم بعاث يراد به الحين والزمان لأن كل حرب من هذه الحروب دامت أياماً.

السابقالتالي
2