الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

اللغة: الموطن الموضع الذي يقيم فيه صاحبه وهو مفعل من الوطن واستوطن بالمكان إذا اتَّخذه وطناً وحنين اسم وادٍ بين مكة والطائف والإعجاب السرور بما يتعجَّب منه والعجب السرور بالنفس والرحب السعة في المكان وضده الضيق. وقولهم: مرحباً معناه أتيت سعة والسكينة الطمأنينة والأمنة وهي فعيلة من السكون قال الشاعر:
للَّـهِ قَبْرٌ عالهَا ماذا أَجَنَّ   لَقَدْ أَجَنَّ سَكينَةً وَوَقارا
والجنود الجموع التي تصلح للحروب. الإعراب: مواطن لا ينصرف لأنه جمع ليس على مثال الآحاد. { ويوم حنين } أي: وفي يوم حنين عطف على مواطن أي ونصركم في يوم حنين وإنما صرف حنيناً لأنه اسم لمذكر وهو وادٍ ولو ترك صرفه على أنه اسم للبقعة لجاز قال الشاعر:
نَصَرُوا نَبِيَّهُمْ وَشَدُّوا أَزَرَهُم   بِحُنَيْنَ يَوْمَ تَواكُلِ الأَبْطالِ
وما في قولـه { بما رحبت } مصدرية أي برحبها وسعتها. المعنى: لمّا تقدَّم أمر المؤمنين بالقتال ذكرهم بعده بما أتاهم من النصر حالاً بعد حال فقال: { لقد نصركم الله قي مواطن كثيرة } اللام للقسم فكأنه سبحانه أقسم بأنه نصر المؤمنين أي أعانهم على أعدائهم في مواضع كثيرة على ضعفهم وقلة عددهم حثاً لهم على الانقطاع إليه ومفارقة الأهلين والأقربين في طاعته وورد عن الصادقين ع أنهم قالوا كانت المواطن ثمانين موطناً وروي أن المتوكل اشتكى شكاية شديدة فنذر أن يتصدق بمال كثير إن شفاه الله فلما عوفي سأل العلماء عن حدِّ المال الكثير فاختلفت أقوالهم فأشير عليه أن يسأل أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى ع وقد كان حبسه في داره فأمر أن يكتب إليه فكتب يتصدق بثمانين درهماً ثم سألوه عن العلة في ذلك فقرأ هذه الآية وقال عددنا تلك المواطن فبلغت ثمانين موطناً. { ويوم حنين } أي وفي يوم حنين { إذ أعجبتكم كثرتكم } أي سرَّتكم وصرتم معجبين بكثرتكم. قال قتادة: وكان سبب انهزام المسلمين يوم حنين ان بعضهم قال: حين رأى كثرة المسلمين لن نغلب اليوم عن قلة فانهزموا بعد ساعة وكانوا اثني عشر ألفاً. وقيل: إنهم كانوا عشرة آلاف. وقيل: ثمانية آلاف والأول أصح وأكثر في الرواية { فلم تغن عنكم شيئاً } أي فلم يدفع عنكم كثرتكم سوءاً. { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } أي برحبتها والباء بمعنى مع والمعنى ضاقت عليكم الأرض مع سعتها كما يقال: أخرج بنا إلى موضع كذا أي معنا والمراد لم تجدوا من الأرض موضعاً للفرار إليه: { ثم وليتم مدبرين } أي وليتم عن عدوِّكم منهزمين وتقديره ولّيتموهم أدباركم وانهزمتم. { ثم أنزل الله سكينته } أي رحمته التي تسكن إليها النفس ويزول معها الخوف: { على رسوله وعلى المؤمنين } حين رجعوا إليهم وقاتلوهم. وقيل: على المؤمنين الذين ثبتوا مع رسول الله علي والعباس في نفر من بني هاشم عن الضحاك بن مزاحم.

السابقالتالي
2 3 4 5