الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

القراءة: قرأ أبو بكر عن عاصم وعشيراتكم على الجمع والباقون { وعشيرتكم } على التوحيد. الحجة: من أفرد فلأنَّ العشيرة يقع على الجمع. وقال أبو الحسن: العرب لا تجمع العشيرة عشيرات وإنما تقول عشائر ومن جمع فلأن كل واحد من المخاطبين له عشيرة. اللغة: الاستحباب طلب المحبة ويجوز أن يكون استحبَّ بمعنى أحبَّ كما أن استجاب يكون بمعنى أجاب فيكون كأنه طلب محبة فوقع له والعشيرة الجماعة ترجع إلى عقد واحد كالعشرة ومنه المعاشرة والاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره من قرفت القرحة إذا قشرتها والقِرْف القشر والتربص التثبت في الشيء حتى يجيء وقته والتربص والتثبت والتنظر والتوقف نظائر ونقيضه التعجل. النزول: روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد فتح مكة. المعنى: ثم نهى الله سبحانه المؤمنين عن موالاة الكافرين وإن كانوا في النسب الأقربين فقال: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء } وهذا في أمر الدين فأما في أمر الدنيا فلا بأس بمجالستهم ومعاشرتهم لقولـه سبحانه:وصاحبهما في الدنيا معروفاً } [لقمان: 15] قال ابن عباس لمّا أمر الله تعالى المؤمنين بالهجرة وأرادوا الهجرة فمنهم من تعلَّقت به زوجته ومنهم من تعلَّق به أبواه وأولاده فكانوا يمنعونهم من الهجرة فيتركون الهجرة لأجلهم فبيَّن سبحانه ان أمر الدين مقدَّم على النسب وإذا وجب قطع قرابة الأبوين فالأجنبي أولى { إن استحبُّوا الكفر على الإيمان } أي إن اختاروا الكفر وآثروه على الإيمان قال الحسن: من تولى الشرك فهو مشرك وهذا إذا كان راضياً بشركه: { ومن يتولهم منكم } فترك طاعة الله لأجلهم وأطلعهم على أسرار المسلمين { فأولئك هم الظالمون } نفوسهم والباخسون حقَّها من الثواب لأنهم وضعوا الموالاة في غير موضعها لأن موضعها أهل الإيمان { قل } يا محمد لهؤلاء المتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام { إن كان آباؤكم } الذين ولدوكم { وأبناؤكم } الذين ولدتموهم وهم الأولاد الذكور { وإخوانكم } في النسب { وأزواجكم } اللاتي عقدتم عليهن عقدة النكاح { وعشيرتكم } أي وأقاربكم { وأموال اقترفتموها } أي اكتسبتموها واقتطعتموها وجمعتموها: { وتجارة تخشون كسادها } أي تخشون أنها تكسد إذا اشتغلتم بطاعة الله تعالى والجهاد. { ومساكن ترضونها } أي مساكن اخترتموها لأنفسكم ويعجبكم المقام فيها { أحب إليكم } أي آثر في نفوسكم وأقرب إلى قلوبكم { من الله ورسوله } أي من طاعة الله وطاعة رسوله { وجهاد في سبيله } أي ومن والجهاد في سبيل الله { فتربصوا } أي انتظروا { حتى يأتي الله بأمره } أي بحكمه فيكم. وقيل: بعقوبتكم على اختياركم هذه الأشياء على الجهاد وطاعة الله إما عاجلاً وإما آجلاً وفيه وعيد شديد عن الحسن والجبائي. وقيل: بفتح مكة عن مجاهد وقال بعضهم وهذا لا يصحّ لأن سورة براءة نزلت بعد فتح مكة: { والله لا يهدي القوم الفاسقين } مضى تفسيره.