الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

اللغة: الرغبة طلب المنفعة. يقال: رغب فيه إذا طلب المنفعة به ورغب عنه إذا طلب المنفعة بتركه والظمأ شدة العطش والنصب التعب ومثله الوصب قال النابغة:
كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ ناصِـبٍ   وَلَيْلِ أُقاسيهِ بَطيء الكَواكِبِ
والمخمصة المجاعة وأصله ضمور البطن للمجاعة ورجل خميص البطن وامرأة خمصانة ضامرة البطن والموطئ الأرض والغيظ انتقاض الطبع بما يرى مما يسوؤه يقال غاظه يغيظه. المعنى: لما قصَّ الله سبحانه قصة الذين تأخروا عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك ثم اعتذارهم عن ذلك وتوبتهم منه وأنه قبل توبة من ندم على ما كان منه لرأفته بهم ورحمته عليهم ذكر عقيب ذلك على وجه التوبيخ لهم والإزراء على ما كانوا فعلوه فقال { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } ظاهره خبر ومعناه نهي مثل قولـهما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } [الأحزاب: 53] أي ما كان يجوز وما كان يحل لأهل مدينة الرسول ومن حولهم من سكان البوادي ان يتخلفوا عنه في غزاة تبوك وغيرها بغير عذر. وقيل: إنهم مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم { ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } أي ما كان يجوز لهم ولجميع المؤمنين أن يطلبوا نفع نفوسهم بتوقيتها دون نفسه وهذه فريضة ألزمهم الله إياها لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما دعاهم إليه من الهدى الذي اهتدوا به وخرجوا من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان. وقيل: معناه ولا يرضوا لأنفسهم بالخفض والدعة ورسول الله في الحرّ والمشقة يقال: رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي ترفعت عنه بل عليهم أن يجعلوا أنفسهم وقاية للنبي صلى الله عليه وسلم. { ذلك } أي ذلك النهي لهم والزجر عن التخلف { بأنهم لا يصيبهم ظمأ } أي عطش { ولا نصب } أي ولا تعب في أبدانهم { ولا مخمصة في سبيل الله } أي ولا مجاعة وهي شدة الجوع في طاعة الله { ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار } أي لا يضعون أقدامهم موضعاً يغيظ الكفار وطؤهم إياه يعني دار الحرب فإن الإنسان يغيظه ويغضبه أن يطأ غيره موضعه { ولا ينالون من عدو نيلاً } أي ولا يصيبون من المشركين أمراً من قتل أو جراحة أو مال أو أمر يغمُّهم ويغيظهم { إلا كتب لهم به عمل صالح } وطاعة رفيعة { إن الله لا يضيع أجر المحسنين } أي الذين يفعلون الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب وفي هذا تحريض على الجهاد وأعمال الخير. { ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة } أي ولا ينفقون في الجهاد ولا في غيره من سبل الخير والمعروف نفقة قليلة ولا كثيرة يريدون بذلك إعزاز دين الله ونفع المسلمين والتقرب بذلك إلى الله تعالى { ولا يقطعون وادياً } أي ولا يجاوزون وادياً { إلا كتب لهم } ثواب ذلك { ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون } أي يكتب طاعاتهم ليجزيهم عليها بقدر استحقاقهم ويزيدهم من فضله حتى يصير الثواب أحسن وأكثر من عملهم.

السابقالتالي
2