الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

القراءة: قرأ حمزة وحفص عن عاصم { يزيغ } بالياء وهي قراءة الأعمش والباقون تزيغ بالتاء والقراءة المشهورة الذين خلفوا وقرأ علي بن الحسين زين العابدين ع وأبو جعفر محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق عليهم السلام وأبو عبد الرحمن السلمي خالفوا وقرأ عكرمة وزر بن حبيش وعمرو بن عبيد خلفوا بفتح الخاء واللام خفيفة. الحجة: قال أبو علي: يجوز أن يكون فاعل كاد أحد ثلاثة أشياء الأول: أن تضمر فيها القصة والحديث ويكون تزيغ الخبر وجاز ذلك فيها وإن كان الأصل في إضمار القصة إنما هو في الابتداء لأن الخبر لازم لكاد فأَشبه العوامل الداخلة على الابتداء للزوم الخبر له قال ولا يجوز ذلك في عسى لأن عسى قد يكون فاعله المفرد في كثير من الأمر فلا يلزمه الخبر كقولهعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبُّوا شيئاً وهو شرُّ لكم } [البقرة: 216] فإذا كان كذلك لم يحتمل الضمير الذي يحتمله كاد كما لم يحتمله سائر الأفعال التي تسند إلى فاعليها مما لا يدخل على المبتدأ والثاني: أن يضمر في كاد ذكر مما تقدَّم لما كان النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار قبيلاً واحداً وفريقاً واحداً جاز أن يضمر في كاد ما دلَّ عليه ما تقدَّم ذكره من القبيل والحزب والفريق ونحو ذلك من الأسماء المفردة الدالة على الجمع وقال منهم فحمله على المعنى مثل قوله { آمن بالله واليوم الآخر } ثم قالفلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [الأحقاف: 13] فكذلك فاعل كاد على هذا الوجه الثالث: أن يكون فاعل كاد القلوب وتقديره من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ ولكنه قد تزيغ كما تقدم خبر كان وجاز تقديمه وإن كان فيه ذكر من القلوب ولم يمتنع من حيث يمتنع الإضمار قبل الذكر لما كان النية به التأخير كما لم يمتنع ضرب غلامه زيد لما كان التقدير به التأخير فأما من قرأ يزيغ بالياء فيجوز أن يكون قد ذهب إلى أن في كاد ضمير الحديث فيرتفع قلوب بيزيغ فذكر وإن كان فاعله مؤنثاً لتقدم الفعل، ومن قرأ تزيغ بالتاء جاز أن يكون ذهب إلى أن القلوب مرتفعة بكاد وجاز أن يكون الفعل المسند إلى القصة أو الحديث يؤنث إذا كان في الجملة التي يفسرها مؤنث كقولـهفإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } [الأنبياء: 97] وجاز تأنيث هي التي هي ضمير القصة لذكر الأبصار المؤنثة في الجملة التي هي التفسير فكذلك يؤنث الذي في كاد لذكر المؤنث في الجملة المفسرة فتقول: كادت وتدغم التاء التي هي علامة التأنيث في تاء تزيغ وتزيغ على هذا للقلوب وهي مرتفعة به ويجوز إلحاق التاء بكاد من وجه آخر وهي أن ترفع قلوب فريق بكاد فتلحقه علامة التأنيث من حيث كان مسنداً إلى مؤنث ومن قرأ خلفوا فتأويله أقاموا ولم يبرحوا ومن قرأ خالفوا فمعناه عائد إلى ذلك لأنهم إذا خالفوهم فأقاموا فقد خلفوا هناك.

السابقالتالي
2 3 4