الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم فيُقتلون بضم الياء ويَقتلون بفتح الياء والباقون فيَقتلون بفتح الياء ويقتلون بضمها وفي قراءة أبي وعبد الله بن مسعود والأعمش التائبين العابدين بالياء إلى آخرها وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. الحجة: قال أبو علي: من قرأ { فيقتلون ويُقْتَلُونَ } فقدَّم الفعل المسند إلى الفاعل فلأنهم يقتلون أولاً في سبيل الله ويقتلون ولا يقتلون إذا قتلوا ومن قدم الفعل المسند إلى المفعول به جاز أن يكون في المعنى مثل الأول لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم فإن لم يقدر فيه التقديم كان المعنى في قولـه { فيقتلون } بعد قولـه { يقتلون } بقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل وأما الرفع في قوله { التائبون العابدون } فعلى القطع والاستئناف أي هم التائبون ويكون على المدح. وقيل: إنه رفع على الابتداء وخبره محذوف بعد قولـه { والحافظون لحدود الله } أي لهم الجنة أيضاً عن الزجاج. وقيل: إنه رفع على البدل من الضمير في يقاتلون أي يقاتل التائبون وأما التائبين العابدين فيحتمل أن يكون جراً وأن يكون نصباً أما الجر فعلى أن يكون وصفاً للمؤمنين أي من المؤمنين التائبين وأما النصب فعلى إضمار فعل بمعنى المدح كأنه قال أعني وأمدح التائبين. اللغة: السائح من ساح في الأرض يسيح سيحاً إذا استمرّ في الذهاب ومنه السيح الماء الجاري ومن ذلك يسمى الصائم سائحاً لاستمراره على الطاعة في ترك المشتهى. الإعراب: { وعداً } نصب على المصدر لأن قوله { اشترى } يدل على أنه وعد ومثلهصنع الله الذي اتقن كل شيء } [النمل: 88] وفطرة الله التي فطر الناس عليها } [الروم: 30]. المعنى: لمّا تقدَّم ذكر المؤمنين والمنافقين عقَّب سبحانه بالترغيب في الجهاد فقال { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } حقيقة الاشتراء لا تجوز على الله تعالى لأن المشتري إنما يشتري ما لا يملكه وهو عزَّ اسمه مالك الأشياء كلها لكنه مثل قوله:من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [البقرة: 245] في أنه ذكر لفظ الشراء والقرض تلطفاً لتأكيد الجزاء ولما كان سبحانه ضمن الثواب على نفسه عبَّر عن ذلك بالاشتراء وجعل الثواب ثمناً والطاعات مثمناً على ضرب من المجاز وأخبر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم يبذلونها في الجهاد في سبيل الله وأموالهم أيضاً ينفقونها ابتغاء مرضاة الله على أن يكون في مقابلة ذلك الجنة. وروي عن الأعمش أنه قرأ بالجنة وهي قراءة عمر بن الخطاب والجهاد قد يكون بالسيف وقد يكون باللسان وربما كان جهاد اللسان أبلغ لأن سبيل الله دينه والدعاء إلى الدين يكون أولاً باللسان والسيف تابع له ولأن إقامة الدليل على صحة المدلول أولى وإيضاح الحق وبيانه أحرى وذلك لا يكون إلا باللسان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3