الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

القراءة: قرأ أهل المدينة وابن عامر الذين اتخذوا بغير واو والباقون بالواو وقرأ نافع وابن عامر أُسِّس بضم الألف بنيانُه بالرفع في الموضعين وقرأ الباقون أسَّس بنيانَه فيهما وفي الشواذ قراءة نصر بن عاصم أُسُسُ بُنيانِه على وزن فُعُل وقراءة نصر بن علي أساس بُنيانه وقرأ ابن عامر وحمزة وحماد ويحيى عن أبي بكر وخلف جُرْف بالتخفيف والباقون جُرُف بالتثقيل وقرأ يعقوب وسهل إلى أنْ على أنه حرف الجر وهو قراءة الحسن وقتادة والجحدري وجماعة ورواه البرقي عن أبي عبد الله قرأ الباقون إلاّ أنْ مشددة اللام وقرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وحفص وسهل ورويس عن يعقوب تَقَطَّع بفتح التاء والتشديد وقرأ روح تُقْطع بضم التاء مخففاً وقرأ الباقون تُقَطّع بضم التاء مشدداً. الحجة: من أثبت الواو في الذين عطفه على ما تقدم والتقدير ومنهم الذين اتخذوا مسجداً ومن حذف الواو ابتدأ الكلام وأضمر الخبر بعده كما أضمر في قولـهإن الذين كفروا ويصدُّون عن سبيل الله والمسجد الحرام } [الحج: 25] إلى قولـه { والباد } والمعنى فيه ينتقم منهم أو يعذّبهم ونحو ذلك وحسن الحذف في الموضعين لطول الكلام بالمبتدأ وصلته ويجوز أن يكون على أن تضمر ومنهم فيكون تقديره ومنهم الذين اتخذوا كما أضمرت الحرف مع الفعل في قولـهوأما الذين اسودَّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } [آل عمران: 106] أي فيقال لهم أكفرتم ولا يجوز أن يكون الذين بدلاً من قوله { وآخرون مرجون } لأن المرجئين لأمر الله غير الذين اتخذوا مسجداً ضراراً فلا يجوز أن يبدلوا منهم ومن قرأ أسس بنيانه بنى الفعل للفاعل كما أضاف البنيان إليه في قوله { بنيانه } فالمصدر مضاف إلى الفاعل والباني والمؤسس واحد ومن بنى الفعل للمفعول به لم يبعد أن يكون في المعنى كالأول لأنه إذا أسس بنيانه فيولى ذلك غيره بأمره كان كبنائه هو له. فأما من قرأ أسُسُ بنيانه بالرفع في الموضعين وأساس بنيانه بالإضافة فإنهما بمعنى واحد وجمع الأس أساس كقفل وأقفال وجمع الأساس آساس وأسُسُ، وأما الجُرف فالأصل فيه ضم العين والإسكان تخفيف ومثله الشُغْل والشُغُل والطُنْب والطُنُب ومن قرأ { إلا أن تَقَطَّع قلوبهم } فمعناه تبلى وتتقطع بالبلى أي لا تثلج قلوبهم بالإيمان أبداً ومن قرأ { تُقَطَّع } بضم التاء فهو في المعنى مثل لأول إلا أن الفعل أُضيف إلى القطع المبلي للقلوب بالموت وفي الأول أسند إلى القلوب لما كانت هي البالية وهذا مثل مات زيد وسقط الحائط ونحو ذلك مما أسند فيه الفعل إلى من حدث فيه وإن لم يكن منه وتُقَطَّع يسند الفعل فيه إلى المقطع المُبْلى وإن لم يذكر في اللفظ فأسند الفعل الذي هو لغير القلوب في الحقيقة إلى القلوب ومن قرأ إلى أن تَقَطّع فإنه جعله على الغاية وزعموا أن في حرف إلى حتى الممات وهذا يدل على أنهم يموتون على نفاقهم فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان وأخذوا به من الكفر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6