الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

القراءة: قرأ حمزة ولايتهم بكسر الواو وهو قراءة الأعمش ويحيى بن وثّاب والباقون ولايتهم بفتح الواو. الحجة: قال الزجاج: من قرأ بالفتح فلأن الولاية من النصرة والنسب بفتح الواو والولاية التي بمنزلة الامارة مكسورة ليفصل بين المعنيين وقد يجوز كسر الواو لأن في تولي بعض القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل وكل من كان من جنس الصناعة فمكسور نحو الخياطة والصياغة وقال أبو عبيدة وأبو الحسن: من ولايتهم مصدر المولى وأما في السلطان فالولاية بكسر الواو وهي في الأخرى لغة. اللغة: الهجرة والمهاجرة فراق الوطن إلى غيره من البلاد وأصله من الهجر ضد الوصل والجهاد تحمل المشاق في قتال أعداء الدين من جهده الأمر جهداً والايواء ضم الإنسان غيره إليه بإنزاله عنده وتقريبه له آواه يؤويه إيواء وأوى يأوي أو ياواويت معناه رجعت إلى المأوى والولاية عقد النصرة للموافقة في الديانة. النزول: قيل نزلت الآية في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة فجعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام وكان الذي آمن ولم يهاجر ولم يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله تعالىوأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } [الأنفال: 75] فنسخت هذه الآية وصار الميراث لذوي الأرحام المؤمنين ولا يتوارث أهل ملتين عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والسدي. المعنى: ثم ختم سبحانه السورة بإيجاب موالاة المؤمنين وقطع موالاة الكافرين فقال { إن الذين آمنوا } بالله ورسوله وبما يجب الإيمان به { وهاجروا } من مكة إلى المدينة { وجاهدوا } وقاتلوا العدو { بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } أي في طاعة الله وإعزاز دينه { والذين آووا } الرسول والمهاجرين بالمدينة أي جعلوا لهم مأوى وأسكنوهم منازلهم يعني الأنصار { ونصروا } أي ونصروهم بعد الإيواء على أعدائهم وبذلوا المهج في نصرتهم { أولئك بعضهم أولياء بعض } أي هؤلاء بعضهم أولى ببعض في النصرة وإن لم يكن بينهم قرابة من أقربائهم من الكفار. وقيل: في التوارث عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي. وقيل: في التناصر والتعاون والموالاة في الدين عن الأصم. وقيل: في نفوذ أمان بعضهم على بعض فإن واحداً من المسلمين لو أمن إنساناً نفذ أمانه على سائر المسلمين. { والذين آمنوا ولم يهاجروا } إلى المدينة { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } أي ما لكم من ميراثهم من شيء حتى يهاجروا فحينئذٍ يحصل بينكم التوارث فإن الميراث كان منقطعاً في ذلك الوقت بين المهاجرين وغير المهاجرين وروي عن أبي جعفر ع أنهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الأولى. وقيل: معناه ما لكم من موالاتهم ونصرتهم من شيء أي ليس عليكم نصرتهم. { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر } معناه وإن طلبوا يعني المؤمنين الذين لم يهاجروا منكم النصرة لهم على الكفار وإعانتهم في الدين فعليكم النصر والمعونة لهم وليس عليكم نصرتهم في غير الدين { إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } معناه إلا أن يطلبوا منكم النصرة لهم على قوم من المشركين بينكم وبينهم أمان وعهد يجب الوفاء به ولا تنصروهم عليهم لما فيه من نقض العهد { والله بما تعملون بصير } أي بأعمالهم عليم لا يخفى عليه شيء منها.