الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }

اللغة: المجادلة المنازعة الذي يفتل بها عن مذهب إلى مذهب سمّيت بذلك لشدته وأصل الجدل شدة الفتل ومنه الأجدل الصقر لشدته وزمام جديل شديد الفتل. وقيل: أصله من الجدالة وهي الأرض يقال طعنه فجدله أي أوقعه على الأرض فكأن المتجادلين يريد كل واحد منهما أن يرمي بخصمه إلى الأرض والسوق الحث على المسير والشوكة الحد يقال ما أشد شوكة بني فلان وفلان شاك في السلاح وشائكٌ وشاك من الشكة وشاك مخفف مثل قولـهم كبش صاف كثير الصوف مثل صائف قال الشاعر:
فَتَوهَّمُـونــي أَنَّنـــي أنا ذاكُــــمُ   شاكٍ سلاحي في الحَوادِثِ مُعْلِمُ
وأصله من الشوك ودابر الأمر آخره ودابر الرجل عقبه والحق وقوع الشيء في موضعه الذي هو له فإذا اعتقد شيء بضرورة أو حجة فهو حق لأنه وقع موقعه الذي هو له وعكسه الباطل. الإعراب: الكاف في قولـه كما أخرجك ربك يتعلق بما دلّ عليه قولـه: { قل الأنفال لله والرسول } لأن في هذا معنى نزعها من أيديهم بالحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق. وقيل: تقديره قل الأنفال ثابت لله والرسول ثبوتاً مثل ما أخرجك ربك أي هذا كائن لا محالة كما أن ذلك كان لا محالة. وقيل: إنه يتعلق بيجادلونك وتقديره يجادلونك بالحق كما كرهوا إخراجك من بيتك بالحق. وقيل: إنه يعمل فيه معنى الحق بتقدير هذا الذكر الحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وقولـه { إنها لكم } في موضع نصب على البدل من إحدى الطائفتين وتقديره يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم ونظيره قولـه:هل ينظرون إلى الساعة أن تأتيهم } [الزخرف: 66]. المعنى: { كما أخرجك ربك من بيتك } يا محمد على التقدير الأول قل الأنفال لله ينزعها عنكم مع كراهتكم ومشقة ذلك عليكم لأنه أصلح لكم كما أخرجك ربك من بيتك مع كراهة فريق من المؤمنين ذلك لأن الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم والمراد بالبيت هنا المدينة يعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم منها إلى بدر ويكون معنى أخرجك ربك دعاك إلى الخروج وأمرك به وحملك عليه كما يقال أضربت زيداً عمرواً فضربه. وأما على التقدير الثاني وهو أن يكون اتصاله بما بعده فيكون معناه يجادلونك في الحق كارهين له كما جادلوك يا محمد حين أخرجك ربك كارهين للخروج كرهوه كراهية طباع فقال بعضهم كيف نخرج ونحن قليل والعدوّ كثير وقال بعضهم كيف نخرج على عمياء لا ندري إلى العير نخرج أم إلى القتال فشبَّه جدالهم بخروجهم لأن القوم جادلوه بعد خروجهم كما جادلوه عند الخروج فقالوا هلا أخبرتنا بالقتال فكنّا نستعدّ لذلك فهذا هو جدالهم على تأويل مجاهد. وأما على التقدير الثالث فمعناه أن هذا خير لكم كما أن إخراجك من بيتك على كراهية جماعة منكم خير لكم وقريب منه ما جاء في حديث أبي حمزة الثمالي فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك.

السابقالتالي
2 3 4 5