الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالعِدوة بكسر العين والباقون بضمها وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم والبزي عن ابن كثير حَيَيَ بإظهار اليائين والباقون حَيَّ بالإدغام. الحجة: الكسر والضم في العدوة لغتان قال الراعي: في الكسر:
وَعَيْنانِ حُـــــمٌّ مَآقيهِمـــا   كَما نَظَر العِدْوَةَ الجُؤْذَرُ
وقال أوس بن حجر في الضم:
وَفارِسٌ لا يَحِلُّ الحَيُّ عُدْوَتَهُ   وَلُّوا سِراعاً وَما هَمُّوا بِإقْبالِ
ومن أدغم حي فللزوم الحركة في الثاني فجرى مجرى ردوا إذا أدروا عن جماعة قالوا حييوا فخففوا وقد جاء مدغماً نحو حيّوا قال:
عَيُّــوا بِأمــــرِهِم كَمــــا   عَيَّت ببيضتها الحَمَامَهْ
ومن اختار الإِظهار فلامتناع الإِدغام في مضارعه وهو يحيا فأجرى الماضي على شاكلة المستقبل. اللغة: العدوة شفير الوادي وللوادي عدوتان وهما جانباه والجمع عدى وعدي والدنيا تأنيث الأَدنى من دنوت والقصوى تأنيث الأَقصى وما كان من النعوت على فعلى من بنات الواو فإن العرب تحوّله إلى الياء نحو الدنيا والعليا استثقلوا الواو مع ضم الأول إلا أن أهل الحجاز قالوا القصوى فأظهروا الواو وهو نادر وغيرهم يقولون القصيا والأَقصى الأبعد والقصا البعد وقصوت منه أقصو أي تباعدت والركب جمع راكب مثل شارب وشرب وصاحب وصحب والعلو قرار تحته قرار والسفل قرار فوقه قرار والنوم ضرب من السهو يزول معه معظم الحس والمنام موضع النوم كالمضطجع موضع الاضطجاع والقلة نقصان عن عدة كما أن الكثرة زيادة على عدة. والفشل ضعف من فزع والفعل منه فَشِل يفشَل والتنازعُ الاختلاف الذي يحاول كل واحد نزع صاحبه مما هو عليه والسلامة النجاة من الآفة وأسلم الإنسان دخل في السلامة وأسلمه إسلاماً دفعه عن السلامة وسلّمه إذا نجّاه واستلم الحجر إذا طلب لمسه على السلامة والصدر الموضع الأَجل يكون فيه القلب وصدر المجلس أجله لأَنه موضع الرئيس والالتقاء اجتماع الاتصال لأَن الاجتماع قد يكون في معنى من غير اتصال كاجتماع القوم في الدار وإن لم يكن هناك اتصال ويقال للعسكرين إذا تصافا التقيا لوقوع العين على العين. الإِعراب: إنما نصب أسفل لأَن تقديره بمكان أسفل أو في مكان أسفل فهو في موضمع جرّ فهو غير منصرف ويجوز أن يكون منصوباً على الظرف على تقدير والركب مكاناً أسفل منكم قال الزجاج: ويجوز أن ترفع أسفل على أنك تريد والركب أسفل منكم أي أشدُّ تسفلاً. المعنى: ثم بيَّن سبحانه نصرته للمسلمين ببدر فقال سبحانه { إذ أنتم } أيها المسلمون { بالعدوة الدنيا } قال ابن عباس: يريد والله قدير على نصركم وأنتم أذلة إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأَقرب إلى المدينة { وهم } يعني المشركين أصحاب النفير { بالعدوة القصوى } أي نزول بالشفير الأَقصى من المدينة { والركب } يعني أبا سفيان وأصحابه وهم العير { أسفل منكم } أي في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر قال الكلبي: كانوا على شط البحر بثلاثة أميال فذكر الله سبحانه مقاربة الفئتين من غير ميعاد وما كان المسلمون فيه من قلة الماء والرمل الذي تسوخ فيه الأَرجل مع قلة العدد والعدة وما كان المشركون فيه من كثرة العدد والعدة ونزولهم على الماء والعير أسفل منهم وفيها أموالهم ثم مع هذا كلّه نصر المسلمين عليهم ليعلم أن النصر من عنده سبحانه.

السابقالتالي
2 3