الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

اللغة: الانتهاء الإِقلاع عن الشيء لأَجل النهي يقال نهاه عن كذا فانتهى والسنة والطريقة والسيرة نظائر قال:
فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةِ انْتَ سِرْتَها   فَأَوَّلُ رَاضِي سُنَّـــةٍ مَنْ يَسِيرُها
والسّلُوف التقدم والتولي عن الدين الذهاب عنه إلى خلافه والتولي فيه هو الذهاب إلى جهة الحق ومتابعته. الإِعراب: وإن تولوا شرط وقولـه فاعلموا أن الله مولاكم أمر في موضع الجواب وإنما جاز ذلك لأَن فيه معنى الخبر فكأنه قال فواجب عليكم العلم بأن الله مولاكم. المعنى: ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بدعائهم إلى التوبة والإِيمان فقال { قل } يا محمد { للذين كفروا إن ينتهوا } أي يتوبوا عما هم عليه من الشرك ويمتنعوا منه { يغفر لهم ما قد سلف } أي ما قد مضى من ذنوبهم. وقيل: إن ينتهوا عن المحاربة إلى الموادعة يغفر لهم ما قد سلف من المعاقبة { وإن يعودوا فقد مضت سنة الأَولين } معناه وإن يعودوا إلى القتال وأصروا على الكفر فقد مضت سنة الله في آبائكم وعادته في نصر المؤمنين وكبت أعداء الدين والأَسر والاسترقاق وإنما ذكر ذلك تحذيراً لهم وأضاف السنة إليهم لأنها كانت تجري عليهم وقال: سنة من قد أرسلنا فأضاف السنة إلى الرسل لأنها كانت تجري على أيديهم ثم قال ولا تجد لسنتنا تحويلاً فأضاف إلى نفسه لأَنه هو المجري لها. { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن يقاتلوا الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك عن ابن عباس والحسن ومعناه حتى لا يكون كافر بغير عهد لأَن الكافر إذا كان بغير عهد كان عزيزاً في قومه يدعو الناس إلى دينه فتكون الفتنة في الدين. وقيل: حتى لا يفتن مؤمن عن دينه. { ويكون الدين كله لله } أي ويجتمع أهل الحق وأهل الباطل على الدين الحق فيما يعتقدونه ويعملون به أي ويكون الدين حينئذٍ كله لله باجتماع الناس عليه وروى زرارة وغيره عن أبي عبد الله ع أنه قال لم يجىء تأويل هذه الآية ولو قام قائمنا بعد سَيَرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية وليبلغن دين محمد صلى الله عليه وسلم ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأَرض كما قال الله تعالىيعبدونني لا يشركون بي شيئاً } [النور: 55]. { فإن انتهوا } عن الكفر { فإن الله بما يعملون بصير } معناه فإن رجعوا عن الكفر وانتهوا عنه فإن الله يجازيهم بأعمالهم مجازاة البصير بها باطنها وظاهرها لا يخفى عليه منها شيء { وإن تولوا } عن دين الله وطاعته { فاعلموا } أيها المؤمنون { أن الله مولاكم } أي ناصركم وسيدكم وحافظكم { نعم المولى } أي نعم السيد والحافظ { ونعم النصير } هو ينصر المؤمنين ويعينهم على طاعته ولا يخذل من هو ناصره.