الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

القراءة: قرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وزيد بن ثابت وأبو جعفر الباقر ع والربيع بن أنس وأبو العالية لتصبنَّ والقراءة المشهورة لا تصيبن. الحجة: قال ابن جني: معنى هاتين القراءتين ضدّان كما ترى لأن إحداهما لتصيبن الذين ظلموا خاصة والأخرى لا تصيبنهم ويمكن أن يكون حذفت الألف من لا تصيبن تخفيفاً واكتفى بالفتحة منها كما قالوا أم والله ليكونن كذا فحذفوا ألف أما وذهب أبو عثمان في قولـه يا أبتَ بفتح التاء أنه أراد يا أبتا فحذف الألف تخفيفاً فإن قلت فهل يجوز أن نحمله على أنه أراد لتصيبن ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا كقول عنترة:
يَنْباعَ مِنْ ذِفْرِى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ   
أراد ينبع ومثله قول ابن هرمة:
فَأَنْتَ مِنَ الغَوائِلِ حِينَ تُرْمى   وَمِــــنْ ذَمِّ الرِّجــالِ بِمُنْتَزاحِ
أي بمنتزح قيل قولـه تعالى فيما يليه { واعلموا أن الله شديد العقاب } أشبه بما ذكرناه وأما الوجه في قولـه { لا تصيبن } فقد قال الزجاج: زعم بعض النحويين أن هذا الكلام جزاء خبر وفيه طرف من النهي فإذا قلت أنزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنّك فهذا جواب الأمر بلفظ النهي والمعنى أنزل أن تنزل عنه لا تطرحك فإذا أتيت بالنون الخفيفة أو الثقيلة كان أوكد للكلام ومثله قولـه تعالىيا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان } [النمل: 18] والمعنى إنْ تدخلوا لا يحطمنكم ويجوز أن يكون نهياً بعد أمر فيكون المعنى اتّقوا فتنة. ثم نهى بعده فقال { فتنة لا تصيبن الذين ظلموا } أي لا تتعرضن الذين ظلموا لما ينزل بهم معه العذاب ويكون بمعنى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم أنها أمرت بالدخول ثم نهتهم أن يحطمنهم سليمان فقالت لا يحطمنكم سليمان وجنوده فلفظ النهي لسليمان ومعناه للنمل كما تقول لا أرينك ها هنا قال أبو علي: إنه حكى القول الأول على جهة احتمال الآية كاحتمالها للقول الثاني فأما القول الثاني فقول أبي الحسن ولا يصح عندنا إلا قول أبي الحسن لأن قولـه { لا تصيبن } لا يخلو إما أن يكون جواب شرط ولا يجوز ذلك لأن دخول النون فيه يكون لضرورة الشعر كما أنشده سيبويه:
وَمَهْما تَشَأ مِنْهُ فَزارَة تَمْنَعن   
وإما أن يكون نهياً بعد أمر فاستغنى عن استعمال حرف العطف معه لاتصال الجملة الثانية بالأولى كما مضى ذكر أمثاله من قولـهثلاثة رابعهم كلبهم } [الكهف: 22] وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 39] وهذا هو الصحيح دون الأول قال: ومحال أن يكون جواب الأمر بلفظ النهي كما يستحيل أن يكون جواب الشرط بلفظ النهي لأن جواب الأمر في الحقيقة جواب الشرط ولا يجوز أيضاً أن يكون اللفظ لفظ النهي والمعنى معنى الجزاء لأن الجزاء خبر فحكمه أن يكون على ألفاظ الإخبار وألفاظ الإخبار لا تجيء على لفظ الأمر إلا فيما علمته من قولـهم أكرم به ومما يدلُّ على أنه ليس بجزاء دخول النون فيه والنون لا تدخل في الجزاء لما ذكرناه أنه خبر ولا يجوز دخول النون في الخبر إلا في ضرورة الشعر نحو:

السابقالتالي
2 3 4