الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

القراءة: قرأ أبو جعفر والعباس عن العياشي عن أبي عمرو وإنما أنت منذر بالتنوين والباقون بغير تنوين وفي الشواذ قراءة الحسن وعمرو بن عبيد والجبال أرساها بالرفع وقراءة مجاهد والأرض مع ذلك دحاها وقراءة عكرمة ورزت الجحيم لمن ترى بالتاء. الحجة: قال أبو علي: حجة التنوين في قوله { إنما أنت منذر } أن اسم الفاعل هنا للحال ويدل عليه قولهقل إنما أنذركم بالوحي } [الأنبياء: 45] فليس المراد أنذر فيما استقبل وإنما يقول أنذر في الحال واسم الفاعل على قياس الفعل ومن أضاف استخف فحذف التنوين كما حذف من قوله فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم ونحو ذلك مما جاء على لفظ الإضافة والمراد به الانفصال ويجوز أن يكون منذر من على نحو هذا ضارب زيداً أمس لأنه قد فعل الإنذار ومن قرأ { والجبال أرساها } بالرفع فإنه مثل قراءة من قرأ { والظالمون أعدَّ لهم } وقد تقدَّم بيانه ومن قرأ والأرض مع ذلك فلعله قال ذلك تفسيراً للقراءة المشهورة لأنه ليس الغرض فيه ترتيب الزمان وإنما الغرض اجتماعهما أعني السماوات والأرض في الخلق لا في أن زمان الفعلين واحد وهذا كقولك فلان كريم فيقول السامع وهو مع ذلك شجاع أي قد اجتمع له الوصفان وأما قوله { لمن ترى } بالتاء المفتوحة فيمكن أن يكون خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد لمن ترى يا محمد من الناس فأضار إلى البعض وغرضه الجنس كقول لبيد:
وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنَ الْحَياةِ وَطُولِها   وسُــؤالِ هــذَا النَّـاسِ كَيْفَ لَبَيْدُ
فأشار إلى جنس الناس ونحن نعلم أنه ليس جميعهم شاهداً حاضراً له ويمكن أن يكون التاء في ترى للجحيم أن لمن تراه النار. اللغة: السمك الارتفاع وهو مقابل العمق لأنه ذهاب الجسم بالتأليف إلى جهة العلو وبالعكس صفة العمق والمسموكات السماوات لارتفاعها ومنه قول أمير المؤمنين ع يا داعم المسموكات قال الفرزدق:
إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنَى لنَا   بَيْتــاً دَعائِمُـهُ أَعَـزُّ وأَطْوَلُ
والتسوية جعل أحد الشيئين على مقدار الآخر في نفسه أو في حكمه والغطش الظلمة وأغطشه الله أظلمه والأغطش الذي في عينيه شبه العمش وفلاة غطشاء لا يهتدى فيها والدحو البسط دحوت أدحو دحواً ودحيت أدحي دَحْياً لغتان قال أمية بن أبي الصلت:
دَارٌ دَحـــاها ثُــمَّ أعْمَرَ بابَهَا   وَأَقامَ بِالأُخْرَى الَّتي هِيَ أَمْجَدُ
وقال أوس:
يَنْفِي الْحِصى عَنْ جَدِيدِ الأَرْضِ مُبْتَرِكٌ   كَــأَنَّهُ فــاحِـــصٌ أَوْ لاعِــــبٌ داحِ
والطامة العالية الغالبة يقال هذا أطم من هذا أي أعلى منه وطم الطائر الشجرة علاها وتسمى الداهية التي لا يستطاع دفعها طامة. الإعراب: والأرض منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره وكذا قوله { والجبال أرساها متاعاً لكم } مفعول له لأن المعنى لإمتاعكم ويجوز أن يكون منصوباً على المصدر لأن معنى قوله أخرج منها ماءها ومرعاها امتع بذلك وقوله { فإن الجحيم هي المأوى } وتقديره هي المأوى له قال الزجاج: وقال قوم الألف واللام بدل من الضمير العائد أي هي مأواه والمراد أن المعنى يؤول إلى التي هي مأواه لأن الألف واللام بدل من الهاء وهذا كما يقول الإنسان غض الطرف يا هذا فليس الألف واللام بدلاً من الكاف وإن كان المعنى غض طرفك لأن المخاطب يعرف أنك لا تأمره بغض طرف غيره قال:

السابقالتالي
2 3