الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } * { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } * { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }

القراءة: قرأ الشعبي وعبيد بن عمير قُدروها بضم القاف والقراءة المشهورة قَدَّروها بفتح القاف وقرأ أهل المدينة وحمزة عالِيهم ساكنة الياء والباقون عالِيَهم بفتح الياء وقرأ أهل البصرة وأبو جعفر وابن عامر خُضْرٌ بالرفع واستبرقٍ بالجر وقرأ ابن كثير وأبو بكر خُضْرٍ بالجر واستبرقٌ بالرفع وقرأ نافع وحسن بالرفع فيهما وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالجر فيهما. الحجة: من قرأ قَدَّروها بالفتح فالمعنى قَدَّروها في أنفسهم فجاءت كما قَدَّروها ومن قرأ بالضم أراد أن ذلك قُدِّر لهم أي قدَّره الله لهم كذلك قال أبو علي الضمير في قدَّروها للخزان أو الملائكة أي قدَّروها على ربهم لا ينقص من ذلك ولا يزيد عليه ومن قرأ قُدِّروها فهو على هذا المعنى يريد وكان اللفظ قدروا عليها فحذف الجار كما حذف من قوله:
كَأَنَّهُ واضَحُ الأَقْرابِ فِي لُقُحٍ   أسمْى بِهِنَّ وَعَزَّتْهُ الأَنَاصِيلُ
فلما حذف الحرف وصل الفعل فكذلك قوله { قدروها } إلا أن المعنى قدرت عليهم أي على ربهم فقلب كما قال:
لا تَحْسَبَنَّ دَراهِماً سُرِّقْتَهـا   تَمْحُو مَخازِيكَ الَّتِي بِعُمانِ
وعلى هذا يتأول قولهما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } [القصص: 76] ومثل هذا ما حكاه أبو زيد إذا طلعت الجوزاء أوفى السود في الجرباء قال ومن نصب عاليهم فإن النصب يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون حالاً والآخر: أن يكون ظرفاً. فأما الحال فيحتمل أن يكون العامل فيها أحد شيئين أحدهما: لقَّاهم والآخر: جزاهم ومثله في كونه حالاًمتكئين فيها على الأرائك } [الكهف: 31] و [الإنسان: 13] فإن قلت لم لا يكون متكئين صفة جنة وفيها ذكر لها قيل لا يجوز ذلك ألا ترى أنه لو كان كذلك للزمك أن تبرز الضمير الذي في اسم الفاعل من حيث كان صفة للجنة وليس الفعل لها فإذا لم يجز ذلك كان حالاً وكذلك قوله { ودانية عليهم ظلالها } إلا أنه يجوز في قوله { ودانية عليهم ظلالها } أمران أحدهما: الحال والآخر: أن ينتصب على أنه مفعول به ويكون المعنى وجزاهم جنة وحريراً أي لبس حرير ودخول جنة ودانية عليهم ظلالها فيكون على هذا التقدير كقولهولمن خاف مقام ربه جنتان } [الرحمن: 46] فإن لم تحمله على هذا وقلت إنه يعرض فيه إقامة الصفة مقام الموصوف وإن ذلك ليس بالمطرح في كلامهم. وإذا حملته على الحال يكون مثل ما عطفته عليه من قوله { متكئين } و { دانية عليهم } وكذلك يكون عاليهم ثياب سندس معطوفاً على ما انتصب على الحال في السورة فيكون ثياب سندس مرتفعة باسم الفاعل والضمير عائد إلى ذي الحال من قوله { عاليهم } وفي الشواذ عاليتهم قراءة الأعمش ويكون بمنزلة قوله { خاشعاً أبصارهم } و { خاشعة أبصارهم } ومن جعله ظرفاً فإنه لما كان عالي بمعنى فوق أجري مجراه في هذا ومن قرأ عاليهم بسكون الياء جعله مبتدأ وثياب سندس خبره ويكون عاليهم المبتدأ في موضع الجماعة كما أن الخبر جماعة وقد جاء اسم الفاعل في موضع جماعة قال:

السابقالتالي
2 3 4 5