الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } * { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً } * { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } * { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } * { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } * { ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً }

اللغة: يذر ويدع بمعنى يترك ولا يقال وَذَر ولا وَدَع واستغنى بترك عن ذلك لأن الابتداء بالواو عندهم مكروه ولذلك أبدلوا منها الهمزة في اقتت والتاء في تخمة وتراث والنعمة بفتح النون لين اللمس وضدّها الخشونة والنعمة الثروة والمنة أيضاً والنعمة بضم النون المسرة يقال نُعْمَ وُنْسَة عين ونُعْمَى عينٍ والأنكالٍ القيود واحدها نِكْل والغصة تردد اللقمة في الحلق ولا يسيغها آكلها يقال: غص بريقه يغص غصصاً وفي قلبه غصة من كذا وهي كاللدغة التي لا يسوغ معها الطعام والشراب قال عدي بن زيد:
لَوْ بِغَيْــرِ الْمـــاءِ حَلْقِـي شَرِقُ   كُنْتُ كَالْغَصّانِ بِالْماءِ اعْتِصَارِي
والكثيب الرمل المجتمع الكثير وهلت الرمل أهيله هيلاً فهو مهيل إذا حرك أسفله فسال أعلاه ومنه الحديث: " كيلوا ولا تهيلوا " وكل ثقيل وبيل ومنه كلأ مستوبل أي مستوخم لا يستمرءُ لثقله ومنه الوبل والوابل وهو المطر العظيم القطر ومنه الوبال وهو ما يغلظ على النفس والوبيل أيضاً الغليظ من العصي قال طرفة:
فَمَرَّتْ كَهاةٌ ذاتُ خَيْفٍ جُلالَةٌ   عَقِيلَــةُ شَيْخٍ كَالْوَبِيـــلِ يَلَنْدَدِ
المعنى: ثم قال سبحانه مهدّداً للكفار { وذرني } يا محمد { والمكذبين } الذين يكذّبونك فيما تدعوهم إليه من التوحيد وإخلاص العبادة وفي البعث والجزاء وهذا كما يقول القائل دعني وإياه إذا أراد أن يهدّده وهو نصب على أنه مفعول معه { أولي النعمة } يعني المتنعمين ذوي الثروة في الدنيا أي كل جزاءهم إليّ ولا تشغل قلبك بمجازاتهم { ومهّلهم قليلاً } وهذا أيضاً وعيد لهم ولم يكن إلا يسيراً حتى كانت وقعة بدر والمعنى وأخّرهم في المدة قليلاً قال مقاتل نزلت في المطعمين ببدر وهم عشرة ذكرناهم في الأنفال. وقيل: نزلت في صناديد قريش والمستهزئين. { إن لدينا أنكالاً } أي عندنا قيوداً في الآخرة عظاماً لا تفكّ أبداً عن مجاهد وقتادة. وقيل: أغلالاً { وجحيماً } وهو اسم من أسماء جهنم. وقيل: يعني وناراً عظيمة ولا يسمى القليل به { وطعاماً ذا غصة } أي ذا شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج عن ابن عباس. وقيل: طعاماً يأخذ بالحلقوم لخشونته وشدة تكرهه. وقيل: يعني الزقوم والضريع وروي عن حمران بن أعين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قارئاً يقرأ هذه فصعق { وعذاباً أليماً } أي عقاباً موجعاً مؤلماً. ثم بيّن سبحانه متى يكون ذلك فقال { يوم ترجف الأرض } أي تتحرَّك باضطراب شديد { والجبال } أي وترجف الجبال معها أيضاً وتضطرب بمن عليها { وكانت الجبال كثيباً مهيلاً } أي رملاً سائلاً متناثراً عن ابن عباس. وقيل: المهيل الذي إذا وَطِئَتْهُ القدم زلَّ من تحتها وإذا أخذت أسفله أنهار أعلاه عن الضحاك والمعنى أن الجبال تنقلع من أصولها فتصير بعد صلابتها كالرمل السائل.

السابقالتالي
2