الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } * { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } * { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } * { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } * { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } * { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } * { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } * { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً }

القراءة: قرأ أبو عمرو وابن عامر وطاءً بكسر الواو والمد والباقون وطأ بفتح الواو وسكون الطاء مقصوراً وقرأ أهل الكوفة غير حفص وابن عامر ويعقوب ربِ المشرق بالجر والباقون بالرفع وفي الشواذ قراءة عكرمة المزمل والمدثر خفيفة الزاي والدال مشددة الميم والثاء وقراءة أبي السماك قُمُ الليل بضم الميم. الحجة: من قرأ أشدّ وطاءً فمعناه مواطأة أي موافقة وملاءمة ومنهليواطئوا عدَّة ما حرَّم الله } [التوبة: 37] أي ليوافقوا والمعنى أن صلاة ناشئة الليل وعمل ناشئة الليل يواطئ السمع القلب فيها أكثر مما يواطىء في ساعات النهار ولأن البال أفرغ لانقطاع كثير مما يشغل بالنهار ومن قال وطأ فالمعنى أنه أشقُّ على الإنسان من القيام بالنهار لأن الليل للدعة والسكون وجاء في الحديث: " اللهم اشدد وطأتك على مضر " وأقوم قيلاً أي أشدّ استقامة وصواباً لفراغ البال وانقطاع ما يشغله قال:
لَـه وَلَهـا وَقْعٌ بِكُلِّ قرارَةٍ   وَوَقْعٌ بِمُسْتَنِّ الْقَضاءِ قَوِيمُ
أي مستقيم. والناشئة ما يحدث وينشأ من ساعات الليل والرفع في رب المشرق يحتمل أمرين أحدهما: أنه لما قال واذكر اسم ربك قطعه من الأول فقال هو رب المشرق فيكون خبر مبتدأ محذوف والآخر: أن يكون مبتدأ وخبره الجملة التي هي لا إله إلا هو ومن جرَّ فعلى اتباعه قوله { اسم ربك } وأما قوله { المزمل } بتخفيف الزاي فعلى حذف المفعول به يا أيها المزمل نفسه والمدثر نفسه وحذف المفعول كثير. قال الحطيئة:
مُنَعَّمَـةٌ تَصُــونُ إلَيْكَ مِنْها   كَصَوْنِكَ مِنْ رِداءٍ شَرْعَبِيِّ
أي تصون حديثاً وتخزنه كقول الشنفرى:
كَأَنَّ لَهَا فِي الأَرْضِ نِسْياً تَقُصُّهُ   عَلـــى أُمّهــا وَإنْ تُكَلِّمْــكَ تَبْلَّتِ
ومن قرأ { قم الليل } وضمَّ فيمكن أن يكون ضمّه للاتباع. اللغة: المزمل المتزمل في ثيابه أدغم التاء في الزاي لأن الزاي قريبة المخرج من التاء وهي أندى في المسموع من التاء وكل شيء لفّف فقد زمّل قال امرؤ القيس:
كَأَنَّ ثَبِيراً فِي عَرانِينِ وَبْلِه   كَبِيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ
والنصف أحد قسمي الشيء المساوي للآخر في المقدار كما أن الثلث جزء من ثلاثة والربع جزء من أربعة وهذه من صفات الأجسام فإذا رفعت التأليفات عنها بقيت أجزاء لا توصف بأن لها نصفاً أو ثلثاً أو ربعاً والعرض لا يوصف بالنصف والجزء. والقديم لا يوصف أيضاً بذلك لأن هذه عبارات عن مؤلفات على وجوه فإن قيل: فإذا يجب أن لا يكون وصف القديم تعالى بأنه واحد مدحاً فالجواب أن معنى قولنا إنه واحد اختصاصه بصفات لا يستحقها غيره وهي كونه قادراً عالماً لذاته قديماً ونحو ذلك وإذا قيل: إنه لا يتجزأ فليس بمدح إلا أن يقال إنه حيّ لا يتجزأ بخلاف غيره من الأحياء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6