الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } * { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } * { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً }

اللغة: الاستغشاء طلب التغشي والإصرار الإقامة على الأمر بالعزيمة عليه والمدرار الكثير الدرور بالغيث والمطر والإمداد إلحاق الثاني بالأول على النظام حالاً بعد حال يقال أمدَّه بكذا ومدّ النهر نهر آخر والأموال جمع المال وهو عند العرب النعم وأصل الوقار الثبوت وما به يكون الشيء عظيماً من الحلم الذي يمتنع معه الخرق والرجاء بمعنى الخوف قال أبو ذؤيب:
إِذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها   وَخالَفَها في بَيْتِ نُوبٍ عَواسِلِ
الإعراب: { أن أنذر قومك } في موضع نصب بأرسلنا لأن الأصل بأن أنذر قومك فلما سقطت الباء أفضى الفعل. وقيل: إن موضعه جرّ وإن سقطت الباء وقد تقدَّم بيانه ويجوز أن يكون أن هذه المفسرة بمعنى أي. وجهاراً مصدر وضع موضع الحال أي دعوتهم مجاهراً لهم بالدعاء إلى التوحيد وقوله { مدراراً } نصب على الحال. { لا ترجون الله وقاراً } جملة في موضع الحال أيضاً والعامل في الحال ما في لكم في معنى الفعل. وقاراً منصوب بأنه مفعول ترجون. المعنى: أخبر سبحانه عن نفسه فقال { إنا أرسلنا } أي بعثنا { نوحاً } رسولاً { إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } معناه أرسلنا لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا قال الحسن أمره أن ينذرهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة. ثم حكى أن نوحاً امتثل ما أمر الله سبحانه به بأن قال { قال يا قوم } أضافهم إلى نفسه فكأنه قال أنتم عشيرتي يسوؤني ما يسوؤكم { إني لكم نذير مبين } أي مخوّف مبيِّن وجوه الأدلة في الوعيد وبيان الدين والتوحيد { اعبدوا الله واتقوه } أي اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتَّقوا معاصيه { وأطيعون } فيما آمركم به لأن طاعتي مقرونة بطاعة الله وطاعة الله واجبة عليكم لمكان نعمه السابقة التي لا توازيها نعمة منعم. { يغفر لكم من ذنوبكم } أي فإنكم إن فعلتم ذلك يغفر لكم ذنوبكم ومن مزيدة. وقيل: إن من ها هنا للتبعيض والمعنى يغفر لكم ذنوبكم السالفة وهي بعض الذنوب التي تضاف إليكم ولما كانت ذنوبهم التي يستأنفونها لا يجوز الوعد بغفرانها على الإطلاق لما يكون في ذلك من الإغراء بالقبيح قيَّد سبحانه هذا التقييد { ويؤخّركم إلى أجل مسمى } وفي هذا دلالة على ثبوت أجلين كأنه شرط في الوعد بالأجل المسمى عبادة الله والتقوى فلمّا لم يقع ذلك منهم اقتطعوا بعذاب الاستيصال قبل الأجل الأقصى بالأجل الأدنى. ثم قال { إن أجل الله } يعني الأقصى { إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون } صحة ذلك وتؤمنون به قال الحسن يعني بأجل الله يوم القيامة جعله أجلاً للبعث ويجوز أن يكون هذا حكاية عن قول نوح ع لقومه أن يكون إخباراً منه سبحانه عن نفسه { قال } نوح { ربّ إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً } إلى عبادتك وخلع الأنداد من دونك وإلى الإقرار بنبوّتي { فلم يزدهم دعائي إلا فراراً } أي لم يزدادوا بدعائي إياهم إلا فراراً من قبوله ونفاراً منه وإدباراً عنه وإنما سمّي كفرهم عند دعائه زيادة في الكفر لأنهم كانوا على كفر وضلال فلما دعاهم نوح ع إلى الإقلاع عن ذلك والإقرار به ولم يقبلوه فكفروا بذلك كان ذلك زيادة في الكفر لأن الزيادة هي إضافة الشيء إلى مقدار قد كان حاصلاً ولو حصلا جميعاً في وقت واحد لم يكن لأحدهما زيادة على الآخر.

السابقالتالي
2 3