الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } * { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر وحفص وسهل إلى نُصُب بضمتين والباقون إلى نَصْب بفتح النون وسكون الصاد. الحجة: قال أبو علي: يجوز أن يكون نُصْب جمع نَصْب مثل سُقْف وسَقْف ووُرْد ومن ثقَّل فقال: نُصُب كان بمنزلة أُسُد ويمكن أن يكون النُّصْب والنَّصْب لغتين كالضُّعْف والضَّعْف وما أشبه ذلك ويكون الثقيل كشُغُل وشُغْل وطُنُب وطُنْب. اللغة: قال الزجاج: المُهْطِع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله وذلك من نظر العدو وقال أبو عبيدة: الإهطاع الإسراع وعِزين جماعات في تفرقة واحدتهم عِزَة وإنما جمع بالواو والنون لأنه عوض مثل سنة وسنون وأصل عِزَةِ عِزْوَة من عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره فكلّ جماعة من هذه الجماعات مضافة إلى الأخرى. قال الراعي:
أَخَلِيفَةَ الرَّحْمنِ إِنَّ عَشِيرَتي   أَمْســي سَوامُهُمُ عِزِينَ فُلُولا
وقال عنترة:
وَقِـــرْنٍ قًـــدْ تَرَكْتُ لَدى مَكَرٍّ   عَلَيْهِ الطَّيرْ كَالعَصَبِ العِزِينا
وقيل إن المحذوف من عزة هاء والأصل عزهة وهو من العزهاة وهو المنقبض عن النساء وعن اللهو معهن قال الأحوص:
إِذا كُنْتَ عِزَهاةً عَنِ اللَّهْوِ وَالصِّبى   فَكُـنْ حَجَراً مِنْ يابِسِ الصَّخْرِ جَلْمَدا
وعن أبي هريرة قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم حلق حلق متفرقون فقال: " ما لي أراكم عزين " والأجداث القبور واحدها جدث وجدف بمعناه والإيفاض الإسراع والنصب الصنم الذي كانوا يعبدونه قال الأعشى:
وَذَا النُّصُبِ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكنَّهُ   لِعاقَبــةٍ وَالله رَبَّــكَ فَاعْبُــدا
الإعراب: { فما للذين كفروا } ما رفع بالابتداء واللام خبره وفيه ضميره وقبلك في موضع الحال من كفروا أو من المجرور على تقدير فما لهم ثابتين قبلك ومهطعين حال من الضمير في قبلك ويجوز في قبلك أن يكون ظرفاً للام وأن يكون ظرفاً لمهطعين ويجوز أن يكون مهطعين حالاً بعد حال وعن اليمين يتعلق به وعزين حال بعد حال ويجوز أن يتعلق عن اليمين بعزين ومعناه مجتمعين عن اليمين وعن الشمال. كأنهم إلى نصب يوفضون جملة منصوبة الموضع على الحال من قوله { سراعاً } { خاشعة أبصارهم } حال من الضمير في يوفضون. المعنى: ثم قال سبحانه على وجه الإنكار على الكفار { فمال الذين كفروا } يعني أيّ شيء للذين كفروا بتوحيد الله أي ما بالهم وما حملهم على ما فعلوا { قبلك } أي عندك يا محمد { مهطعين } مسرعين إليك عن أبي عبيدة. وقيل: متطلعين عن الحسن. وقيل: مقبلين عنك بوجوههم لا يلتفتون عنك أي ناظرين إليك بالعداوة والمراد بالذين كفروا هنا المنافقون { عن اليمين وعن الشمال } أي عن يمينك وعن شمالك { عزين } أي جماعات متفرقين عصبة عصبة وجماعة جماعة. { أيطمع كل امرىء } منهم أي من هؤلاء المنافقين { بأن يدخل جنة نعيم } كما يدخل أولئك الموصوفون قبل هذا وإنما قال هذا لأنَّهم كانوا يقولون إن كان الأمر على ما قال محمد فإنَّ لنا في الآخرة عند الله أفضل ممّا للمؤمنين كما أعطانا في الدنيا أفضل مما أعطاهم.

السابقالتالي
2