الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير الريح واحدة ونُشُراً مضمومة النون والشين وقرأ أهل المدينة والبصرة الرياح جمع، نُشُر بضم النون والشين حيث كان وقرأ أهل الكوفة عن عاصم الريح نشراً بفتح النون وسكون الشين وقرأ ابن عامر الرياح نُشْراً بضم النون وسكون الشين وقرأ عاصم الرياح بُشراً بالباء ساكنة الشين وقرأ أبو جعفر إلا نكداً بفتح الكاف والباقون بالكسر. الحجة: قال أبو علي: اعلم أن الريح اسم على فعل والعين منه واو فانقلبت في الواحد للكسر فأما في الجمع القليل فصحت لأنه لا شيء فيه يوجب الاعلال ألا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في نحو قوم وقول فأما في الجمع الكثير فرياح انقلبت ياء للكسرة التي قبلها وإذا كانت انقلبت في نحو ديمة وديم وحيلة وحيل فإنْ تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها والألف تشبه الياء والياء إذا تأخرت عن الواو أوجب فيه الإعلال وكذلك الألف لتشبهها بها وقد يجوز أن يكون الريح على لفظ الواحد ويراد به الكثرة كقولـهم كثر الدرهم والدينار والشاة والبعير وإن الإنسان لفي خسر } [العصر: 2] ثم قال { إلا الذين آمنوا } وكذلك من قرأ الريح نُشُراً فأفرد ووصفه بالجمع فإنه حمله على المعنى وقد أجاز أبو الحسن ذلك وقال الشاعر:
فيهَا اثْنَتــانِ وَأرْبَعُونَ حَلُوبَةً   سُوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسَحْمِ
ومن نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع وهذا وجه قراءة ابن كثير وقول من جمع الريح إذا وصفها بالجمع الذي هو نُشراً أحسن لأن الحمل على المعنى ليس بكثير كالحمل على اللفظ واما ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا هبت ريح: " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " فلأنَّ عامة ما جاء في التنزيل على لفظ الرياح للسقيا والرحمة كقولـه تعالىوأرسلنا الرياح لواقح } [الحجر: 22] ويرسل الرياح مبشرات } [الروم: 46] وما جاء بخلاف ذلك جاء على الافراد كقولـهفأهلكوا بريح صرصر عاتية } [الحاقة: 6]ريح فيها عذاب أليم } [الأحقاف: 24] قال أبو عبيدة: نشراً متفرقة من كل جانب. وقال أبو زيد: أنشر الله الموتى انشاراً إذا بعثها وأنشر الله الريح مثل أحياها فنشرت هي أي حييت والدليل على أن انشار الريح احياؤها قول المرار الفقعسي:
وَهَبَّتْ لَهُ ريحُ الْجَنُوبِ وَأُحْيِيَتْ   لَهُ رَيْدَةٌ يُحْيي الميَاهَ نَسيمُها
والريدة والريدانة الريح قال:
أوْدَتْ بِهِ رِيدانَةٌ صَرْصَرٌ   
ومن قرأ نُشْراً يحتمل ضربين يجوز أن يكون جمع ريح نشور وريح ناشر ويكون على معنى النسب فإذا جعلته جميع نشور احتمل أمرين أحدهما: أن يكون النشور بمعنى المنشر كما أنّ الركوب بمعنى المركوب فكان المعنى ريح أو رياح منشرة ويجوز أن يكون جمع نشور يراد به الفاعل مثل طهور ونحوه من الصفات ويجوز أن يكون نُشُراً جمع ناشر كشاهد وشُهُد ونازل ونُزُل وقاتل وقُتُل قال الأعشى:

السابقالتالي
2 3