الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } * { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

اللغة: الحجاب الحاجز المانع من الإدراك ومنه قيل للضرير محجوب وحاجب الأمير وحاجب العين والأعراف الأمكنة المرتفعة أخذ من عُرف الفرس ومنه عُرْف الديك وكل مرتفع من الأرض عُرْف لأنه بظهوره أعرف مما انخفض قال الشماخ:
وَظِلْتُ بِأعْرافٍ تَعالى كَأنَّهـــا   رِماحٌ نَحاها وِجْهَةَ الرّيحِ راكِزُ
وقال آخر:
كـُــلُّ كِنازٍ لَحْمُــــهُ نِيَــــافِ   كالعَلَمِ الْمُوفي عَلَى الأعْرافِ
يعني نشوزاً من الأرض والسيما العلامة وهي فعلى من سام إبله يسومها إذا أرسلها في المرعى معلمة وهي السائمة. وقيل: وزنه عفلى من وسمت فقلبت كما قالوا له جاهٌ في الناس وأصله وجه وكما قالوا اضمحل وامضحل وأرض خامة أي وخمة وفيه ثلاث لغات سيما وسيماء بالقصر والمد وسيمياء على زنة كبرياء قال الشاعر:
لَهُ سِيماءُ ما يَشُقُ عَلى البَصَرْ   
والتلقاء جهة اللقاء وهي جهة المقابلة ولذلك كان ظرفاً من ظروف المكان تقول هو تلقاؤك نحو هو حذاؤك والأبصار جمع بصر وهو الحاسة التي يدرك بها المبصر وقد يستعمل بمعنى المصدر ويقال له بصر بالأشياء أي علم بها وهو بصير بالأمور أي عالم. المعنى: ثم ذكر سبحانه الفريقين في الجزاء فقال { وبينهما حجاب } أي بين الفريقين أهل الجنة وأهل النار وهو الأعراف والأعراف سور بين الجنة والنار عن ابن عباس ومجاهد والسدي وفي التنزيلفضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } [الحديد: 13]. وقيل: الأعراف شُرَف ذلك السُور عن الجبائي. وقيل: الأعراف الصراط عن الحسن بن الفضل. { وعلى الأعراف رجال } اختلف في المراد بالرجال هنا على أقوال فقيل إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فحالت حسناتهم بينهم وبين النار وحالت سيئاتهم بينهم وبين الجنة فجعلوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما شاء ثم يدخلهم الجنة عن ابن عباس وابن مسعود وذكر أن بكر بن عبد الله المزني قال للحسن بلغني أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فضرب الحسن يده على فخذه ثم قال: هؤلاء قوم جعلهم الله على تعريف أهل الجنة والنار يميزون بعضهم من بعض والله لا أدري لعل بعضهم معنا في هذا البيت. وقيل: إن الأعراف موضع عال على الصراط عليه حمزة والعباس وعلي وجعفر يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه عن الضحاك عن ابن عباس رواه الثعلبي بالإسناد في تفسيره. وقيل: إنهم الملائكة في صورة الرجال يعرفون أهل الجنة والنار ويكونون خزنة الجنة والنار جميعاً أو يكونون حفظة الأعمال الشاهدين بها في الآخرة عن أبي مجلز. وقيل: إنهم فضلاء المؤمنين عن الحسن ومجاهد. وقيل: إنهم الشهداء وهم عدول الآخرة عن الجبائي وقال أبو جعفر الباقر ع: هم آل محمد عليهم السلام لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.

السابقالتالي
2