الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي ولباسَ بالنصب والباقون بالرفع. الحجة: قال أبو علي: أما النصب فلأَنه حمل على أنزل أي أنزلنا عليكم لباساً ولباس التقوى وقولـه ذلك على هذا مبتدأ وخبره خير ومن رفع فقال ولباس التقوى قطع اللباس من الأَول واستأنف به فجعله مبتدأ وذلك صفة أو بدل أو عطف بيان ومن قال إن ذلك لغو لم يكن على قولـه دلالة لأَنه يجوز أن يكون على أحد ما ذكرنا وخير اللباس والمعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله تعالى مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمل به وأضيف اللباس إلى التقوى كما أضيف في قولـهفأذاقها الله لباس الجوع } [النحل: 112] إلى الجوع والخوف. اللغة: اللباس كل ما يصلح للبُس من ثوب أو غيره من نحو الدرع وما يغشى به البيت من نطع أو كسوة وأصله المصدر تقول لبسه يلبسه ولباساً ولِبساً بكسر اللام قال الشاعر:
فَلَمَّا كَشَفْنَ الِلّبْسَ عَنْهُ مَسَحْنَهُ   بِأطْرافِ طَفْلٍ زانَ غَيْلاً مُوَشَّما
والغيل الساعد الريان الممتلىء والريش والأَثاث متاع البيت من فراش أو دثار. وقيل: الريش ما فيه الجمال ومنه ريش الطائر. وقيل: إنه المصدر من راشه يريشه ريشاً وأنشد سيبويه:
رِيشي مِنَكُمْ وَهَوَايَ مَعكُمْ   وَإنْ كانَتْ زِيارُتُكُمْ لِماما
قال الزجاج: الريش كل ما يستر الرجل في جسمه ومعيشته يقال تريش فلان أي صار له ما يعيش به وتقول العرب أعطيته رجلاً بريشه أي بكسوته وقال أبو عبيدة: الريش والرياش ما ظهر من اللباس والفتنة والابتلاء والامتحان يقال فتنت الذهب بالنار امتحنته وقلب فاتن أي مفتون قال الشاعر:
رَخيمُ الْكَلام قَطِيعُ القيام   أمْسى فُؤادِي بِها فاتِنا
القبيل الجماعة من قبائل شتى فإذا كانوا من أب وأم واحد فهم قبيلة. المعنى: لما ذكر سبحانه نعمته على بني آدم في تَبَوئِّه الدار والمستقر عَقَّبه بذكر النعمة في الملابس والستر فقال { يا بني آدم } وهو خطاب عام لجميع أهل الأَزمنة من المكلفين كما يوصي الإِنسان ولده ولد ولده بتقوى الله ويجوز خطاب المعدوم إذا كان من المعلوم أنه سيوجد ويتكامل فيه شروط التكليف. { قد أنزلنا عليكم لباساً } قيل إدنه أنزل ذلك مع آدم وحواء حين أمرا بالانهباط عن الجبائي وهو الظاهر. وقيل: معناه أنه ينبت بالمطر الذي ينزل من السماء عن الحسن. وقيل: لأَن البركات ينسب إلى أنها تأتي من السماء كقولـهوأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } [الحديد: 25] عن علي بن عيسى. وقيل: معنى أنزلنا عليكم أعطيناكم ووهبنا لكم وكل ما أعطاه الله تعالى لعبده فقد أنزله عليه ليس أن هناك علواً وسفلاً ولكنه يجري مجرى التعظيم كما يقال رفعت حاجتي إلى فلان ورفعت قضيتي إلى الأَمير عن أبي مسلم.

السابقالتالي
2 3