الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

اللغة: قد مرَّ ما قيل في العفو عند قولـهقل العفو } [البقرة: 219] في سورة البقرة والعرف ضد النكر ومثله المعروف والعارفة وهو كل خصلة حميدة تعرف صوابها العقول وتطمئنُّ إليها النفوس قال الشاعر:
لا يذهب العرف بين الله والناسِ   
والنزغ الإزعاج بالإغراء وأكثر ما يكون ذلك عند الغضب وأصله الإزعاج بالحركة نزغه ينزغه نزغاً. وقيل: النزغ الفساد ومنه نَزَغ الشيطان بيني وبين إخوتي أي أفسد قال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون ومن الشيطان أدنى وسوسة. المعنى: لما أمر الله سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالدعاء إليه وتبليغ رسالته علَّمه محاسن الأفعال ومكارم الأخلاق والخصال فقال { خذ العفو } أي خذ يا محمد ما عفا من أموال الناس أي ما فضّل من النفقة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقت ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخاً بها فإن هذه السورة مكية عن ابن عباس والسدي والضحاك. وقيل: معناه خذ العفو من أخلاق الناس واقبل الميسور منها عن مجاهد والحسن ومعناه أنه أمره بالتساهل وترك الاستقصاء في القضاء والاقتضاء وهذا يكون في الحقوق الواجبة لله وللناس وفي غيرها وهو في معنى الخبر المرفوع: " أحبَّ الله عبداً سمحاً بائعاً ومشترياً قاضياً ومقتضياً " وقيل: هو العفو في قبول العذر من المعتذر وترك المؤاخذة بالإساءة وروي أنه لما نزلت هذه الآية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل عن ذلك فقال لا أدري حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال يا محمد إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك. { وأمر بالعرف } يعني بالمعروف وهو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع ولم يكن منكراً ولا قبيحاً عند العقلاء. وقيل: بكل خصلة حميدة { وأعرض عن الجاهلين } معناه وأعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم والإياس من قبولهم ولا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك فإن مجاوبة السفيه تضع عن القدر ولا يقال هذه الآية منسوخة بآية القتال لأنها عامة خصَّ عنها الكافر الذي يجب قتله بدليل. قال ابن زيد: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كيف يا رب والغضب " فنزل قولـه { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } ومعناه يا محمد إن نالك من الشيطان وسوسة ونخسة في القلب بما يسوّل للإنسان معناه إن عرض لك من الشيطان عارض عن ابن عباس. وقيل: معناه وإن منعك الشيطان عن شيء مما أمرتك من هذه الأشياء. { فاستعذ بالله } أي سل الله عزَّ اسمه أن يعيذك منه { إنه سميع } للمسموعات { عليم } بالخفيات. وقيل: سميع لدعائك عليم بما عرض لك. وقيل: إن النزغ أول الوسوسة والمس لا يكون إلا بعد التمكن ولذلك فصَّل الله سبحانه بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فقال للنبي صلى الله عليه وسلموإما ينزغنك } [الأعراف: 200 وفصلت: 36] وقال للناس { إذا مسّهم طائف من الشيطان }.